الرهان على ذهب ناميبيا الأسود: أمل التحوّل من وعود إلى براميل
تُعد الدولة الإفريقية من المناطق القليلة في العالم التي تضم حوضاً إنتاجياً جديداً للنفط الخام
التالي:"أوبك" تدعم ناميبيا وسط طفرة التنقيب عن النفط
ناميبيا تجذب كبار منتجي النفط العالميين رغم التحديات الجيولوجية وسط آمال بتكرار نجاح غيانا
بعد موجة تشاؤم بسبب الانتكاسات المتتالية عاد الأمل مع تبلور مؤشرات إيجابية لاستكشاف النفط
تحوّلت ناميبيا إلى أبرز نقطة ساخنة لاستكشاف النفط في العالم، مستقطبة كبرى شركات الطاقة. ورغم أن الدولة الإفريقية لم تقدّم حتى الآن سوى وعود كثيرة من دون براميل نفط أو عوائد مالية تُذكر، إلا أن المشهد بدأ يتغير، وملامح المكاسب المحتملة بدأت تتبلور.
الأمل بتكرار تجربة غيانا
لفهم أسباب هذا الزخم، لا بد من العودة إلى الضفة الأخرى من الأطلسي. ففي عام 2015، كانت غيانا في أمريكا الجنوبية محط الأنظار، بعدما تحولت في غضون سنوات قليلة إلى منجم نفطي لشركة "إكسون موبيل" وشركائها. فقد ارتفع إنتاجها من صفر تقريباً في 2019 إلى 700 ألف برميل يومياً هذا العام، ومن المتوقع أن يتخطى المليون برميل يومياً بحلول 2027، ما يضعها بمصاف بعض دول "أوبك+" مثل ليبيا.
لا تزال تجربة غيانا النفطية ماثلة في أذهان شركات الطاقة الكبرى التي سارعت إلى عبور المحيط والاستحواذ على مساحات استكشافية عند سواحل ناميبيا، على أمل تكرار النجاح. فدخلت على الخطّ أسماء كبرى مثل "شيفرون"، و"شل"، و"توتال إنرجيز"، إلى جانب شركات متوسطة الحجم ومستكشفين مغامرين يطاردون الفرص.
لكن ناميبيا ليست غيانا، ولا تقترب منها حتى. جيولوجياً، بنيتها الصخرية أفقر، ونفاذية الصخور فيها منخفضة، ما يجعل تدفّق النفط عملية بطيئة ومعقدة. والأسوأ أن نسبة الغاز إلى النفط مرتفعة جداً، ما اضطر الشركات إلى إعادة ضخ كميات ضخمة من الغاز الطبيعي إلى المكامن، وهي عملية معقدة ومكلفة للغاية، لا سيما في بيئة التشغيل البحرية فائقة العمق.
توالت الانتكاسات خلال العام الماضي، فتخلت "توتال" عن إحدى عملياتها الاستكشافية، واكتشفت "شيفرون" أن البئر التي علّقت عليها الآمال كانت جافة، بينما خفضت "شل" القيمة الدفترية لأحد أصولها بقيمة 400 مليون دولار، بعدما تبيّن أن الاكتشاف النفطي غير قابل للتطوير التجاري.
أولى الملامح الإيجابية
في ويندهوك، عاصمة ناميبيا، بدأ المزاج العام يتجه نحو التشاؤم. ففي فبراير الماضي، لخّص محافظ البنك المركزي يوهانس غاواخاب هذا التحوّل بقوله "أعتقد أن التوقعات كانت مبالغاً فيها، لذا علينا خفض سقف آمالنا".
لكن هذا التشاؤم، تماماً كما التفاؤل الذي سبقه، ربما ذهب بعيداً. صحيح أن احتياطيات النفط في ناميبيا أقل مما كان يأمله المتحمسون، مع ذلك، يمكن التوقع بسهولة أن يتراوح الإنتاج بين 300 و400 ألف برميل يومياً بحلول منتصف ثلاثينيات هذا القرن.
بالمقارنة مع تجربة غيانا، ستكون العوائد أقلّ بطبيعة الحال، لكنها تبقى مع ذلك إنجازاً مهماً في عالم يندر فيه اكتشاف مناطق إنتاج جديدة.
الـ12 شهراً المقبلة ستكون حاسمة للمستثمرين، مع ظهور أولى المؤشرات الواضحة لحجم احتياطيات البلاد. والأهم أن شركتين تقتربان من حسم جدوى اكتشافاتهما تجارياً. ومن المتوقع أن تعلن إحداهما خلال العام المقبل ما إذا كانت ستمضي قدماً في المشروع وتتخذ ما يُعرف بـ"القرار الاستثماري النهائي"— وهو قرار نادراً ما يتم التراجع عنه.
أعلنت شركة "غالب إنيرجيا" (Galp Energia SGPS) البرتغالية للنفط والغاز مطلع هذا الشهر أنها تلقت عدداً من العروض لشراء حصة في اكتشاف "موبان"، وبدأت محادثات ثنائية مع جهات مهتمة، في إطار مسعاها للتوصل إلى صفقة بيع قبل نهاية العام. ورغم تكتم "غالب" حول تفاصيل المشروع الذي تملك فيه حصة تبلغ 80%، إلا أن البيانات المنشورة تشير إلى احتمال استخدام وحدتين عائمتين للإنتاج والتخزين والتفريغ(FPSO)، بطاقة إنتاجية تقارب 120 ألف برميل يومياً لكل وحدة.
وقالت ماريا جواو كاريوكا، الرئيسة الشريكة لـ"غالب"، خلال لقائها بالمستثمرين: "نتعامل حالياً مع عدة عروض غير ملزمة"، مضيفة "يسعدنا تواصل أطراف موثوقة معنا".
تكتسب الصفقة المرتقبة التي يُرجّح أن تشمل بيع نحو نصف حصة "غالب" ونقل تشغيل الحقل إلى المشتري، أهمية خاصة، إذ ستضع تقييماً مالياً ملموساً للاكتشاف، وتُسرّع الخطى نحو الاستفادة منه تجارياً.
قالت شركة "توتال إنرجيز" إنها تأمل في اتخاذ القرار الاستثماري النهائي بشأن حقل "فينوس" النفطي بحلول أوائل عام 2026 كحد أقصى. ومن المتوقع أن يعتمد المشروع على وحدة عائمة واحدة للإنتاج والتخزين والتفريغ(FPSO)، بطاقة إنتاجية تقارب 150 ألف برميل يومياً. وتقدّر الشركة الفرنسية أنها قادرة على تشغيل المشروع بتكلفة تقارب 20 دولاراً للبرميل، رغم التحديات الجغرافية الكبيرة، وفي مقدمتها الحفر في أعماق تصل إلى 3,000 متر تحت سطح البحر.
وتجري "توتال" مفاوضات مع الحكومة الناميبية لتحسين شروط التعاقد، بعدما خفّضت السعة الإنتاجية القصوى للمشروع من أجل تمديد العمر التشغيلي المتوقع للحقل.
استسلام مبكر
قال الرئيس التنفيذي للشركة، باتريك بويانيه، للمستثمرين الأسبوع الماضي إن الحكومة الناميبية تأمل برؤية أول إنتاج من الحقل قبل نهاية عام 2029، مضيفاً "هذا يعني أنه ينبغي اتخاذ القرار قبل نهاية 2025 إذا أردنا الالتزام بالجدول الزمني". في المقابل، تتردّد في أوساط القطاع تكهنات بأن "توتال" قد تكون مهتمة بالمنافسة على صفقة بيع حصة "غالب".
إذا نجحت كل من "غالب" و"توتال" في إحراز تقدم خلال الأشهر الـ6 المقبلة، فسيعزز ذلك ثقة المستثمرين في مستقبل قطاع النفط في ناميبيا. وبحلول منتصف 2026، يُفترض أن تكون الصورة قد اتضحت بشكل أكبر، ما قد يشجّع شركات أخرى على مواصلة حملات الحفر، رغم النتائج المخيبة حتى الآن.
وتقدّم تجربة غيانا درساً بالغ الأهمية: فقد انسحبت شركات كثيرة في وقت مبكر جداً. على سبيل المثال، باعت "شل" حصتها في مشروع الحفر الذي تقوده "إكسون" في غيانا، قبل أشهر فقط من اكتشاف النفط. إذن غالباً ما تجني المثابرة ثمارها— مهما كان حجم المكاسب في نهاية المطاف.
كاتب عمود في مجال الطاقة والسلع في بلومبرغ.
خاص بـ "بلومبرغ"