كيف غيرت رؤية 2030 المشهد الاقتصادي للسعودية؟
بعد مرور أكثر من 9 سنوات على إطلاق رؤية السعودية، فقد تغير الوضع الاقتصادي وأصبح أكثر مرونة، حيث تجاوز الأداء في كثير من المحاور المستهدفات المرسومة، وأصبحت القطاعات غير النفطية هي القائد الحقيقي للنمو الاقتصادي، فرؤية 2030 لا تنوع الاقتصاد فحسب، بل تعيد تعريف مفهوم المرونة لدولة القرن الحادي والعشرين.
كان التنويع الاقتصادي الطموح الرئيسي لرؤية 2030 عبر خفض الاعتماد على القطاع النفطي، وتعزيز قدرة القطاعات ذات القيمة المضافة العالية. وخلال النصف الأول من 2025 وصلت نسبة مساهمة الأنشطة غير النفطية في الناتج المحلي الحقيقي للسعودية إلى 55.7%، وذلك مقارنة بنحو 45.2% في النصف الأول من 2016. هذه الطفرة جاءت مدعومة بالأداء القوي لمختلف القطاعات التي استفادت من إصلاحات السعودية الاقتصادية والفرص التي وفرتها مشاريع رؤية 2030.
على مدى عقود شكل النفط ومشتقاته الهيكل الأساسي للصادرات، وقد صبت الرؤية تركيزها على دعم القطاعات التصديرية ذات القيمة المضافة، بجانب استغلال الموقع الجغرافي وتحويل السعودية إلى مركز للتجارة في المنطقة. وقد ارتفعت الصادرات غير النفطية من 75 مليار ريال في النصف الأول من 2017 لتصل إلى 110 مليارات ريال خلال النصف الأول من 2025.
السعودية لم تعد تعتمد فقط على ما يتم إنتاجه محلياً ولكنها أصبحت مركز لإعادة التصدير في المنطقة، فقد وصل حجم إعادة التصدير في النصف الأول من 2025 إلى 60 مليار ريال وذلك مقارنة مع 15 مليار ريال في الفترة نفسها من 2017 بمعدل نمو يصل لثلاثة أضعاف.
التحول إلى وجهة أساسية لجذب الاستثمارات الأجنبية كان محور أساسي في خطط الانتقال الاقتصادي، وعلى مدى السنوات التي تلت الرؤية حققت السعودية بفضل تبني حزم من الإصلاحات والحوافز لجذب المستثمرين، والانفتاح المباشر على الأسواق العالمية، والبيئة التنظيمية الملائمة. حيث شهدت تدفقات الاستثمار الأجنبي ارتفاعاً من 7.5 مليار دولار في 2017 لتصل إلى نحو 32 مليار دولار في 2024.
وقد حقق البرنامج السعودي لجذب المقرات الإقليمية للشركات العالمية نجاح لافت، حيث تجاوز عدد الشركات التي نقلت مقراتها الإقليمية حاجز 600 شركة، متخطيا مستهدفات 2030 والتي تبلغ 500 شركة.
مكانة السعودية الثقافية والتاريخية والجغرافية وفرت لقطاع السياحة أسس قوية للتطور، وهو ما أخذته الرؤية على محمل الجد وعملت على تعظيم الاستفادة منه، صحيح أن السعودية قبلة المسلمين حول العالم للحج والعمرة. ولكنها لم تتوقف عند السياحة الدينية بل عززت من قدرات القطاع في مجال الترفيه والرياضة والاستجمام وسياحة الأعمال.
وتبنت مجموعة من السياسات تدعم تدفقات السياحة مثل التأشيرات الإلكترونية والبنية التحتية للمدن الذكية، ما وفر مصدر دخل أساسي لدعم ميزان المدفوعات وتحسين النمو الاقتصادي.
فوفقًا لمنظمة السياحة العالمية فقد استقبلت السعودية في 2024 نحو 29.7 مليون سائح، وذلك مقارنة مع 16 مليون سائح في 2017، تلك القفزة في تدفقات السائحين وفرت لها عوائد في 2024 وصلت إلى 41 مليار دولار وذلك مقارنة بنحو 12 مليار دولار في 2017.
تركيز السعودية اتجه إلى قطاعات أخرى كالصناعة والتعدين، حيث تعمل على بناء سلاسل الإمداد والتوريد المحلية، والتحول إلى لاعب إقليمي مهم في عديد من الصناعات المهمة مثل: السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة بالاعتماد على الشراكات بين المؤسسات المحلية والعالمية. إضافة إلى الدفعة القوية لقطاع التكنولوجيا، حيث تطورت بنيتها التحتية التكنولوجية، وتجذب أهم اللاعبين في مجالات الذكاء الاصطناعي بهدف التحول إلى لاعب رئيسي في توفير التقنيات المتقدمة في المنطقة.
جهود السعودية لتمكين مواطنيها ودعم دخولهم لأسواق العمل، أسهمت في انخفاض معدل البطالة بحلول الربع الأول من 2025 إلى 6.3%، ليتجاوز بذلك مستهدف 2030 الذي حددته الرؤية عند 7%، ازدهار التشغيل جاء مدعوما بالفرص التي وفرتها مشاريع الرؤية وتدفقات الأعمال من الخارج.
في الختام فقد وضعت رؤية 2030 أساسا قويا لدعم التحول الاقتصادي في السعودية، وهو تحول قائم على التنويع والريادة في القطاعات غير النفطية. ومع دخول رؤية 2030 فصلها التالي فإنها لا تواكب التغيير فحسب، بل أصبحت تحدد مسار المنطقة وما بعدها.
مستشارة اقتصادية