سدّ الصين .. طاقة في مجرى الخلاف

بدأت الصين تنفيذ أحد أضخم مشاريعها في قطاع الطاقة الكهرومائية من خلال بناء سد ضخم في إقليم التبت على نهر يارلونج تسانغبو، بتكلفة تقديرية تبلغ نحو 167 مليار دولار، وطاقة إنتاجية متوقعة تصل إلى 300 مليار كيلووات/ساعة سنويًا. يمثل المشروع محطة بارزة في سياسة الصين الطاقية، ليس فقط من حيث حجمه وتكلفته، بل من حيث توقيته وسياقه القانوني والسياسي.

تسعى بكين إلى تعزيز أمنها الطاقي وتقليل اعتمادها على الفحم من خلال التوسع في مصادر الطاقة المتجددة، مع الحفاظ على استقرار أسعار الكهرباء كأداة أساسية لتعزيز التنافسية الصناعية. تكلفة الكهرباء المنخفضة في الصين مقارنة بالأسواق الغربية تُعد من العوامل التي تدعم موقعها كقاعدة صناعية عالمية، ويأتي مشروع سد التبت في هذا الإطار لتدعيم وفرة الإمدادات وتوسيع قاعدة الطاقة النظيفة.

لكن المشروع يحمل أبعادًا إستراتيجية تتجاوز الاقتصاد المحلي. فالنهر الذي يُقام عليه السد يرفد نهر براهمابوترا، الذي يمر إلى الهند وبنجلادش، ما يجعل المشروع محاطًا بتحديات إقليمية تتعلق بإدارة المياه العابرة للحدود. وفي ظل تزايد التوترات الجيوسياسية في جنوب آسيا، لا يُستبعد أن يُنظر إلى السد من منظور إستراتيجي، وليس فقط كمرفق طاقوي.

تأتي هذه التطورات في وقت يشهد فيه القانون الدولي البيئي تحولًا مهمًا، مع صدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في يوليو 2025 بشأن التزامات الدول في سياق التغير المناخي. الرأي، رغم كونه غير ملزم قانونيًا، أكد أن الدول ملزمة باتخاذ إجراءات فعالة للحد من الانبعاثات ومنع الضرر البيئي العابر للحدود. وقد يشكل هذا الإطار القانوني الجديد أرضية تُبنى عليها مسائلات أو مطالبات مستقبلية، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بمشاريع ضخمة ذات آثار بيئية أو اجتماعية عميقة.

من الناحية المؤسسية، لا يخلو المشروع من تحديات داخلية. فقد شهدت الصين في السنوات الماضية تجاوزات في التكلفة ومشكلات حوكمة في مشاريع البنية التحتية الكبرى، مثل شبكة القطارات فائقة السرعة، ما يثير مخاوف مشروعة بشأن فاعلية الإنفاق وكفاءة الإدارة في مشروع بهذا الحجم وفي منطقة جغرافية معقدة كالتبت. كما أن المشروع يتطلب تهجير عدد من السكان المحليين، ما قد يثير انتقادات داخلية أو خارجية ترتبط بالعدالة الاجتماعية والبيئية.

البيئة الدولية الحالية لا تتساهل مع المشاريع التي تتجاهل الأثر البيئي أو تتعامل مع المجتمعات المحلية كعامل ثانوي.

ومن المتوقع أن يُستخدم الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية كمرجع في تقييم مشروعية هذه النوعية من المشاريع، أو كأداة ضغط في المفاوضات الثنائية ومتعددة الأطراف، أو حتى في التمويل الدولي المرتبط بالمعايير البيئية والاجتماعية.

في المحصلة، يُعد مشروع سد التبت أكثر من مجرد منشأة طاقة؛ إنه اختبار لقدرة الصين على تحقيق أهدافها الاقتصادية ضمن بيئة قانونية دولية أكثر تطلبًا، وسياق سياسي إقليمي أكثر حساسية. نجاح المشروع يعتمد على مدى قدرة بكين على ضبط التكاليف، واحتواء التداعيات البيئية والاجتماعية، وتقديم خطاب قانوني مقنع يحصن المشروع من التحديات المستقبلية.


مستشارة في الشؤون الدولية والإستراتيجيات العالمية

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي