الدرباوي.. الظاهرة والمصطلح

انتشرت في الستينيات والسبعينيات ظاهرة مجموعات الشباب الذين يجوبون الولايات الأمريكية ودول أوروبا دون هدف محدد سوى البحث عن المتعة. كانوا يجتمعون شباناً وشابات يستقلون الدراجات النارية أو أي وسيلة مواصلات يوافق صاحبها على نقلهم. يعيشون دون مهمة أو هدف سوى إظهار اعتراضهم ورفض السلوكيات والأخلاقيات الاجتماعية التي كانوا مطالبين بالالتزام بها.
ولدت حربا كوريا وفيتنام ثم فترة الحرب الباردة بين الشرق والغرب رفضاً متزايداً من الشباب لسياسات دولهم. يضاف إلى ذلك انعدام الفرص الوظيفية سواء في وزارات الدولة التي تدعم الجهد العسكري والسياسي الذي يهدف لحرب الشيوعية والتغلب على مفاهيمها ومبادئها كوسيلة لضمان بقاء الرأسمالية وطريقة العيش التي تعودت عليها المجتمعات الغربية.
تميز هؤلاء الشباب والفتيات بعدم الاهتمام بالنظافة الشخصية والتمرد على السلوك المقبول في الأماكن العامة وهو ما جعلهم عرضة للانتقاد بل الطرد والاعتداء في بعض الولايات الجنوبية الأكثر محافظة. كانت ملابسهم رثة يغلب عليها الجينز، وهو ما أعطى من يلبس الجينز في تلك الفترة صورة مرفوضة عند كبار السن.
هؤلاء هم ''الهيبيز''. انتشرت موضتهم لفترة ثم اختفت تدريجياً رغم بقاء بعض من يفضلون أسلوب الحياة هذا بعد أن كبروا في السن. كانت أصوات دراجاتهم النارية وضحكاتهم العالية وصراخهم في التعامل مع بعضهم ومع الآخرين في الشوارع والحانات والمراقص، سمة تميزهم وتفاقم حقد الناس عليهم.
تذكرت الهيبيين وأنا أقف في إحدى المحطات وأسمع صراخ شابين يتحاوران على بعد أكثر من عشرين متراً من بعضهما ويستخدمان ألفاظاً غير لائقة ولا يتقبلها مجتمعنا. أحدهما كان يريد خفض سعر ملابس كان يعرضها أحد الباعة الأجانب أمام المسجد، والآخر كان يعبئ خزان السيارة بالوقود في المحطة.
يدعى هؤلاء لدينا (الدرباويون). الدرباوي هو شاب يبتعد عن أسرته ويعيش في الغالب مع مجموعة من أقرانه الذين يؤمنون ويسلكون نفس السلوك. هم في الغالب من غير الموظفين وأعمارهم تراوح بين الخامسة عشرة والثلاثين. يتركون مقاعد الدراسة لينضموا إلى ''شلة درباوية''.
بدأ الأمر بممارسة ما يسمى ''الهياط'' والتعنصر للقبيلة، ثم انتقل تدريجياً ليؤثر على الملابس التي يميزها عدم النظافة والإهمال. لا يهتم الدرباوي بقص شعره، بل يفتخر كلما كان شعره أطول ولفت انتباه الآخرين. ممارسة التفحيط وتدمير ما تبقى من السيارات التي يستخدمونها هي أحد العناصر التي يلاحظها الجميع. يعاني هؤلاء الشعور السلبي تجاه ذواتهم، وهذا يدفعهم – في نظري – لسلوك تلك الممارسات المسيئة لهم ولأسرهم.
يرفض المجتمع هؤلاء، ويزيد الطين بلة فيستمرئ هؤلاء سلوكيات جنسية غير سوية، واستخدام المواد المخدرة والممنوعة. هذا التدرج الخطير سببه عدم التعامل مع هذه الحالة الخطيرة في الوقت المناسب سواء من المدرسة أو البيت أو المجتمع. فقدان الإحساس بالأمان الاجتماعي يجعلهم يستخدمون أسماء غريبة ليست مما تعوده المجتمع كمثال على التمرد على قيم المجتمع.
هذه السلوكيات والأفكار تعيد للذاكرة العلاقات المشبوهة عند ممارسي التفحيط و''الدرفت'' وغيرها مما تعاون المجتمع على التخلص منه. لكن مشجعي اللعب بالسيارات لا يميلون للتعامل مع الدرباوية. إذاً هذه فئة جديدة لها من الصفات ما يمكن اعتباره أكثر غرابة.
يمكن أن نطلق على هؤلاء ''هيبيز'' الخليج، لأنهم ينتشرون في عدة دول ويتنقلون بينها مؤثرين على المراهقين ومساهمين في إضافة مزيد من الإشكالات الاجتماعية والنفسية والأخلاقية لكل المجتمع. هذه السلوكيات وصلت لمستوى خطير وهي تنذر بأن ثمة مشاكل يمكن أن تتضخم لتصل إلى التأثير في أمن وسلامة الدول التي يعيشون فيها.
المهم أن تتعامل الجهات الأمنية والتربوية والاجتماعية مع هذه الفئة التي ينبذها جميع فئات الشباب لأنهم عرضة لأن يكونوا ضمن من تستهدفهم جماعات الإخلال بأمن الوطن وسبب هذا أنه تنطبق عليهم مواصفات مهمة هي:
- الفراغ: فهؤلاء لا ينتمون إلى سلك التعليم ولم يحصلوا على وظائف تسمح لهم بحياة كريمة وشخصية متزنة.
- الحاجة: فأغلب هؤلاء أبناء أسر في المستوى الأدنى من فئات الدخل، وهذا يجعلهم في حاجة مستمرة ''لتدبير'' ما يحتاجون إليه. إن ارتفاع سقف الحاجات يدفع بالشخص لسلوك طرق أكثر خطراً في سبيل الحصول على ما يريد، والأكيد أن استخدام أي نوع من الممنوعات سيجعل المحتاج يلجأ لكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة للحصول على المال.
- الرفض: هذه الحالة التي بدأتها الأسرة وضخمتها مكونات المجتمع الأخرى يمكن أن تجعل المرء لا يعبأ بأسلوب الحصول على المال أو نوعية السلوك التي يتبناها ما دام مرفوضاً في الأساس.
- حداثة السن: من أهم مواصفات صغار السن أنهم يميلون إلى تجربة الجديد ويمكن أن يفعلوا ذلك دون التنبه لأثره في حياتهم في المستقبل. هذا يجعلهم عرضة للاستغلال وتدمير حياتهم وحياة الآخرين.
يجب أن يكون الجهد المبذول منسقاً بحيث يضمن أن نحمي ''الدرباوية'' من المخاطر التي تنتظرهم في عالم مليء بالخطر والمؤامرات والفساد الذي يتجاوز تغيير الشكليات أو عدم العناية بالذات أو اللعب بالسيارات والإحساس الجارف بالفردية والتميز.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي