فوضى الفتاوى !!

أعتقد أن أهم خاصية من خصائص الفتوى هي الواقعية، بحيث لا تكون بمعزل عن حياة الناس وكأنها تخاطب كائنات أخرى غير البشر، ذلك لأن حركة الحياة تنتج ظروفاً جديدة في كل لحظة، لا يجب أن يُغض الطرف عنها عند إصدار الفتوى، كي تحدث أثرها المنشود على المستوى الحياتي والواقعي، وإلا تجاهلها فريق، وهاجمها فريق آخر.

ولا أقصد بالقطع أن تُفصّلَ الفتاوى على أمزجة الناس وحسب أهوائهم، وإنما أقصد إعمال النظر والفكر في الظروف والملابسات المحيطة بموضوع الفتوى، حتى تصدر الفتوى ملبية لمصالح الناس من ناحية ومتسقة مع الفهم الشامل للنص من ناحية أخرى، وبما يضمن إنتاج اجتهاد مقبول من الناحيتين الشرعية والواقعية، ذلك لأن الدين صالح لكل زمان ومكان.

وهنا لا بد من التأكيد على أن الفتوى في ميدان الشريعة الإسلامية قد اعتراها خلل كبير، إثر تسلل أشخاص غير مؤهلين علمياً وفكرياً إلى حرمها المُهاب، بحجة التجديد والتطوير ومواكبة العصر، الأمر أفقد الفتوى الشرعية قوتها وهيبتها، على خلفية بعض الفتاوى الساذجة التي أطلقها سطحيون عبر القنوات الفضائية، مما كان له أكبر الأثر في إحداث لغو وثرثرة وجدال بين جموع الناس، وكأن الفتوى قد تحولت إلى مادة إعلامية أو دعاية لشخص أو قناة.

لا أوافق كمسلم يحترم دينه أن تصدر فتوى دينية من خريج كلية الهندسة أو كلية الطب أو كلية العلوم، وإن وافقت أن يؤخذ رأيه في الفتاوى التي تتعلق بتخصصه، وإن وافقت كذلك بأن يكون داعية إلى الخير بالنصح والإرشاد، أما مجال الفتوى فله أهله من المتخصصين في كليات الشريعة وأصول الدين وغيرها وهؤلاء كذلك يُنتخبُ منهم أهل العلم والفقه والورع والصدق.

وتدعيماً لذلك لابد من إصدار تشريع واضح لتنظيم شئون الفتوى الدينية بحيث تصدر عن جهة رسمية لها صلاحية إصدارها دون غيرها، بحيث يصبح التعدي على تخصص هذه الهيئة جريمة يعاقب عليها القانون، وذلك لسد كل المنافذ أمام فوضى الفتوى والتي أصابت الناس بالبلبلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي