نعم.. للقصاص والحزم
يتحدث آباؤنا ومدونات تاريخ هذه البلاد قبل توحيد المؤسس الملك عبد العزيز لهذه البلاد عن حالة الذعر التي ينشرها قطاع الطرق "الحنشل" وغارات اللصوص على بعض البلدات، حيث كان يلجأ معظمها إلى تسويرها لحمايتها وحين أعمل الملك المؤسس سيف العدل بصرامة، سرعان ما استتب الأمن وما عاد أحد يجرؤ على القتل أو السطو أو السرقة حتى بلغنا حدا كان فيه الباعة يتركون حوانيتهم مفتوحة أوقات الصلاة والبضائع على الأرصفة دون أن تحدث أحدا نفسه بالاقتراب منها وساد سلوك الثقة بالأمان حتى بات ظاهرة تثير الدهشة والاحترام.
غير أن سياق التنمية والتطورات التي مرت بها بلادنا أسفر عن تقاطر مئات ألوف الوافدين ثم ملايينهم بثقافات مختلفة وتزايد السكان وتنوع وتكثف الحراك الاقتصادي وأنشطة العمل على مساحة المملكة، فضلا عن مراعاة علاقات المملكة الدبلوماسية، إلى جانب الالتزام بالوثائق الخاصة بحقوق الإنسان التي وقعتها المملكة والرغبة في تجنب ما يثار ضدها من جرّاء تطبيقها قوانينها أو إقامة الحدود وغير ذلك مما هو محل مزايدة الفضاء الإعلامي أدت إلى سوء فهم واستغلال سيئين من قبل منحرفين ومجرمين سولت لهم أنفسهم كثيرا الاعتداء على حرمة بعض البيوت أو الأملاك وارتكاب جرائم بعضها يقشعر له شعر الرأس وليس من الآدمية في شيء.
حادثة تنفيذ القصاص بالقتل الأخيرة والصلب التي حدثت في حي النسيم في الرياض لوافد اقتحم منزلا آمنا وسطا وقتل وفعل الفاحشة استرعت انتباه الناس لرؤيتها وتناقلت الأفواه بسرعة الحديث عنها.. وحتما يشكل هذا الإجراء نوعا من الردع العادل والعقاب الصارم لا يقف أثره عند حد تنفيذ القصاص ضد مجرم خطير وإنما يتعداه إلى بث رسالة مكثفة واسعة عميقة صريحة للشذاذ المنطوين على نزعات إجرامية تصل إليهم وتتغلغل في لا شعورهم في أن الإفلات من هذا المصير هو ما يجب تأكيد استحالته لمن قد تراوده نفسه التجني على أمن مواطن أو مقيم أو الوطن.
ليس مُهماً أن تبدي بعض المنظمات والهيئات الدولية انتقادها تحت ذريعة الاعتراض على عقوبة الإعدام أو التعزير أو التشهير بالجناة، حين يكون حكم القضاء لحماية النفس الإنسانية التي كرمها الله، أو حماية الوطن من المفسدين.. بل الأهم أن يسري شعور الأمن والطمأنينة في الناس وينامون قريري العيون في بيوتهم ويمارسون أعمالهم وهم على يقين بأن حراسة للعدالة يقظة تدفع عنهم الشرور وبأن صوتها وسيفها يعلوان على أي موقف أو انتقاد لا يرى الأمن أولوية قصوى تسبق وتفوق كل مزاعم الشفقة في غير مكانها.
إن استتباب الأمن ورسوخ الاستقرار هما معيار سمعة أي بلد ولا عبرة بالتنظيرات التي تختزل الإنسانية في الرأفة بمجرم لم يرأف بأسرة يفجعها ولا بوطن فيروعه مستهترا بكرامة الروح وطهارة الوطن.. وحتما يدنا بيد القضاء والأمن لعدل وصرامة لا تطرف لهما عين ولا يخفق لهما قلب إلا حيث تكون الرأفة منحازة كلية لجانب الضحية وليس الجاني.. هذا هو معيار العدالة وقانون الحزم في الديانات كلها وفي الشرائع .. وهل أعظم من قول القرآن: "من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا"؟ والأمر سيان سواء كان القتل مباشرة أو بالمخدرات أو الإرهاب أو الاغتصاب.. وليقال ما يقال فاستشعار سلطة القانون وقوة نفاذه بحدة هو الوأد العملي للجريمة من المنبت .. وسوى ذلك فذلكات تؤدي إلى التهلكة!!