أطفال ذوق
تقول:
هل رأيتم عمليات إنزال إف بي أي الأمريكية؟ هل شاهدتم عظم استعدادها حين تريد أن تقبض على شبكة إرهابية؟! فهناك الطائرات تحلق في الأعلى، والسيارات الجيمس السوداء تدور في الأسفل، وهناك من يتسور الأسطح، وآخرون يراقبون في النوافذ في جميع الأبنية التي تطل على الموقع، وهناك من يتخفى بين المارة، وشبكة اتصال فيما بينهم وبين إدارتهم، واستعدادات على قدم وساق، لها أول وليس لها آخر، هذا ما دار بذهني وأنا أرى استعدادات زوجي وإخوته، لإنزال َمن؟! هل لإنزال السيد الرئيس؟! لا لم يطأ بيتنا بعد، إذاً الاستعداد لإنزال من؟ إنه لإنزال والدهم ووالدتهم من السيارة التي تقلهم إلى بيتنا الميمون، في زيارة نادرة إلى بيتنا، حيث يقيمان في مدينة أخرى، ولأنهما كبيران في السن وأثقل جسميهما المرض، فهما يرفضان بشدة الخروج من منزلهما، ولولا موعد مهم عند الطبيب لما حضرا.
نعود لعملية الإنزال
اتصال بالجوال
ــــ افتح الباب.
ووقفت السيارة وفتحت الأبواب وأخرج والد زوجي قدمه يريد وضعها على الأرض.
اتصال آخر
ــــ ــــ لا، لا أدخلهما من باب المرآب.
وأُمر الأب بإرجاع قدمه إلى السيارة بعد أن أرهقهما طول الرحلة.
اتصال ثالث
ــــ ــــ يا رجل، ستكون غرفة النوم بعيدة عنهما إن أدخلت السيارة في المرآب.
اتصال آخر
ــــ ــــ هل أنتم مجانين، الباب الرئيسي أقرب لهما، سيدخلان من باب المجلس إلى الغرفة الداخلية
ــــ ــــ يا أخي، أنا صاحب البيت وأنا أقول لك إن باب المرآب أسهل.
أستمع لنقاشهم وأنا لا أكاد أمسك نفسي من شدة الضحك، من يسمع كلامهم يظن أن بيتنا هو البيت الأبيض، ولن يصدق أن بيتنا بيت إيجار صغير، الباب الرئيس ملاصق لباب المرآب ليس إلا، إلا أني غبطتهم لشدة حرصهم وهذا يدل على شدة تنافسهم على برهم بوالديهم، إلا أن هذا البر قد أتعب والديهم، فكلما فتح باب السيارة فرحا، وكلما غير الأبناء رأيهم وأغلقوا الباب، ضاق صدراهما، وغلبا على أمرهما، يتلفت رأساهما يمنة ويسرة مع كل رأي يبديه صاحبه في كيفية إنزالهما من السيارة، فتدخلت
ــــ ــــ حرام عليكم، ارحموهما، أنهوا هذا العذاب، أنزلوهما.
والحمد لله تمت عملية الإنزال بسلام، فدخل الأب والأم بزفة عرس رائعة مع فارق التشبيه، يدخل العروس والعريس وحدهما دون مساعدة، ووالدانا يساعدهما يمنة ويسرة أبناء شباب ذوو قوة، أفنوا حياتهما في تربيتهم.
لم نتحدث عن عملية الاستنفار الداخلي، فلقد تم إعداد الشاي والقهوة والفاكهة والماء ونصب السرير لهما، وتم تجهيز الفوط والفرش وتقديم كل ما هو جديد وغال ونفيس، ولو كانت أرواحنا تُعطى لقدمناها من عظم فرحتنا بزيارتهما، فلقد كانت الزيارة لنا بمثابة العيد حيث أشعل البخور، وتم إعطاء دورة مكثفة للأبناء في كيفية استقبالهم لجديهما وكيف يرحبون بهما وكيف يسارعون في خدمتهما ويتلمسون احتياجاتهما وقبل أن يصرحوا بها، وتم عمل ورش عمل تطبيقية وأحضر التلفاز الوحيد إلى هذه الغرفة، وشددت النصائح لسعد مدمن التلفاز، حيث تم إخباره بأن جدينا لا يحبان الرسوم المتحركة للأطفال، لذا سيوضع التلفاز على قناة المجد للقرآن وأخذت العهود والوعود وأغلظ الأيمان على ذلك، وتم رصد مكافأة لمن سيكون أكثر برا، وتم عرض جميع أنواع التهديد والوعيد، لمن يخالف التعليمات.
وبعد جهد جهيد من المشي البطيء استقر الجدان على الأريكة، وأنا أغمز لهذا أن يقبل يدي جديه، وأنغز الآخر لصب الماء، وأشير للثالث أن يكرر: حياكم الله، حياكم الله، وشق الصفوف المزدحمة على الجدين سعد وقبل رأسيهما ويديهما واستقر بينهما، وحمدت الله أن الأولاد قد التزموا بالتعليمات وأن جهود الدورة المكثفة مع الورشة العملية لم تذهب سدى.
إلا أن سعداً فاجأنا
ــــ ــــ جدي، جدتي، متى ستعودون لبيتكم؟
الجدة
ــــ ــــ لماذا تسأل يا حبيبي؟! هل تريد الذهاب معنا؟
ــــ ــــ لا، ولكن إذا جلستما عندنا لن أستطيع مشاهدة الرسوم المتحركة، وسنضطر لوضع التلفاز على قناة المجد القرآنية، هكذا تقول أمي، فأسأل متى ستذهبان كي أعرف متى سأتمكن من مشاهدة الرسوم المتحركة.
"قمة الذوق، ونعم التربية".