محطات الوقود داخل النطاق العمراني بين البيئة والصحة
إن توافر محطات الوقود داخل محيط الأحياء السكنية في المدينة يلقي بظلاله على تنوع مصادر الخطر البيئي والصحي على الفرد والمجتمع في الأحياء السكنية بالتزامن مع الأنظمة والقوانين التي تنظم بناء وتوافر محطات الوقود وسلامتها للمواطنين والعاملين وسكان الأحياء القريبة من هذه المحطات في المملكة مثل (الدفاع المدني، الهيئة العربية السعودية للمواصفات والمقاييس، بلديات وأمانات المناطق).
وتشير البحوث والدراسات العلمية في هذا الخصوص إلى جملة من المعطيات والمحاذير في علم وتوجه ''المحافظة على البيئة والصحة'' مثل التسربات والتصدعات الملاحظة وغير الملاحظة من خزانات الوقود الرئيسية في المحطة، والتي تساهم في حدوث عملية تلوث المياه الجوفية وخزانات المياه الصالحة للشرب مع الأخذ في الاعتبار تلوث ومزج مياه الصرف الصحي مع هذه المواد الكيمائية السائلة والمتحللة، وكذلك عملية التخلص من الزيوت والمحروقات المستخدمة في التشحيم وغيار زيوت المركبات والتغسيل من خلالها سكبها بطرق غير علمية، استنشاق وشم مادة البنزين والرصاص والمواد الكيمائية البديلة للرصاص مثل مادة ''إم تي بي إي المؤكسدة'' يرفع من نسبة التعرض لالتهابات الجهاز التنفسي وخصوصا الجزء العلوي منه، أمراض الربو الشعبي، الحساسية التنفسية والجيوب الأنفية، ملامسة مادة البنزين والديزل من قبل العاملين في محطة الوقود تؤدي وعلى المدى الطويل إلى أمراض الحساسية التلامسية، التشققات الجلدية، الجروح، إضافة إلى الصداع، الأكل والشرب من البوفيهات المتوافرة في هذه المحطات بعد تطاير وانتشار المواد الهيدروكربونية من البنزين يساهم في خطر التلوث والتسمم الغذائي لهذه المأكولات والمشروبات، تسرب وتطاير المواد الأولية من المحروقات البترولية للمنازل القريبة في الحي السكني يحدث وبشكل كبير من خلال فتحات الشبابيك والتهوية، حيث تتفاوت بالتزامن مع اتجاه وسرعة الرياح.
تعتبر خزانات الوقود الأرضية الموجودة في محطات وقود البنزين من المواقع الأكثر خطورة وتلوثا للبيئة والصحة والسلامة العامة، حيث يفترض أن تكون مصممة من مواد مقاومة للحريق والانفجار والضغط العالي والتفاوت في درجات الحرارة المرتفعة والمنخفضة مع الأخذ في الحسبان توافر آلية تقنية تسمح بالإغلاق الأوتوماتيكي في حالة وجود حريق أو خطر، وجود فتحات خاصة بالتهوية وكذلك لنزول شخص لتفقد الخزان، وأن تكون فتحات الخزان بعيدة عن مضخات البنزين، وأيضا يفترض أن يكون موقع الخزان مناسبا من ناحية التهوية وألا يسمح بمرور السيارات فوقه، ويغلب على نوعية الخزانات الأرضية صناعتها من مواد الحديد، الفيبرقلاس، الخرسانة المسلحة.
ويمكن ربط وفهم أنواع مخاطر التلوث البيئي الناتج من محطات الوقود بعلاقتها مع نوع النشاط المستخدم في هذه المحطة، فعلى سبيل المثال تعبئة الخزانات الأرضية بالوقود تساهم في تسرب الوقود إلى المناطق المحيطة وتسربه كذلك إلى المياه الجوفية وتطاير الوقود في الهواء، بينما تعبئة السيارات والمركبات بالوقود تؤدي إلى تسرب الوقود إلى الأرض وتطايره، كما يلاحظ في عملية غسيل السيارات تسرب المياه المخلوطة ببعض المنظفات إلى شبكات الصرف الصحي والمياه الجوفية، وتشكل كذلك عملية تغيير واستبدال البطاريات والفلاتر والإطارات إلى تسرب بعض المواد الكيمائية مثل الرصاص والمطاط إلى التربة وتكدس بعض المخلفات الصلبة.
كما أود الإشارة في هذه العجالة إلى بعض الاقتراحات التي من شأنها خدمة وتهيئة الأرضية العلمية والمهنية المناسبة للوقاية من هذه المخاطر البيئية الصحية لمحطات الوقود وهي (الرقابة والتنظيم والتنسيق من قبل الجهات الحكومية ذات العلاقة ببناء وتشييد وتمويل محطات الوقود (أمانة وبلدية المنطقة، الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، وزارة البترول والثروة المعدنية، مصلحة المياه والصرف الصحي، وزارة الزراعة، الدفاع المدني)، (الرقابة والمتابعة والإشراف على استخدام العاملين في محطات الوقود (القفازات اليدوية، الكمامات) من قبل إدارة الصحة البيئية في الجهات الحكومية ذات العلاقة)، (متابعة تجديد ومنح التراخيص الرسمية لبناء محطات الوقود بالتزامن مع الالتزام بتطبيق معايير وقياسات الجودة والسلامة المهنية والبيئية، واتخاذ الإجراءات الجزائية الإدارية والمالية المناسبة)، (إعادة النظر في التطبيق العلمي الجاد لمواصفات وشروط ''التصميم والتخطيط البيئي'' عند التوجه المستقبلي لبناء محطات الوقود، والبعد عن توافر هذه المحطات بالقرب من المدارس والمستشفيات والمؤسسات المدنية المكتظة بالسكان)، (المعالجة العلمية والمهنية العاجلة للعديد من محطات الوقود التي يوجد بها تسربات وتصدعات في خزاناتها الرئيسية ومنع تلوثها مع مصادر المياه الجوفية وخزانات المياه في الأحياء السكنية)، حيث تشير بعض الدراسات الاقتصادية البيئية إلى أن تكلفة تنظيف الخزانات الأرضية المخصصة للوقود ما يقارب 70 ألف دولار، بينما لو حدث تسرب وقود من الخزان فإن تكلفة تنظيف التربة المحيطة بموقع الخزان تصل إلى مئات الآلاف من الدولارات وترتفع التكلفة المادية في حالة وصول هذا التسرب إلى المياه الجوفية لتصل إلى نحو مليون دولار.