إطلاق الطاقات الكامنة لتحقيق الرخاء
شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما تمتلكه من موارد غنية بالمحروقات، المنافعَ التي وفرتها مواردها الطبيعية والتحديات التي كانت سبباً فيها. إذ تمتلك المنطقة أكثر من 50% من الاحتياطيات العالمية من النفط و40% من احتياطيات الغاز.
ورغم أن هذه الموارد كانت بمنزلة القوة الدافعة للنمو الاقتصادي والتنمية، إلا أنها كانت أيضاً من بين أسباب نشوب الصراعات وعدم الاستقرار الاقتصادي والإفراط في الاعتماد على مجموعة محدودة من صادرات السلع الأولية. تقريرنا الرئيسي الجديد الخاص بالمنطقة، والذي جاء تحت عنوان: "البحث عن الرخاء: آليات تقاسم الثروات لتحقيق السلام والنمو العادل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، يبحث ترتيبات تقاسم الثروات في المنطقة، واختلاف نتائج التنمية، ويقترح سبلاً لتعزيز الرخاء والسلام الشامل عن طريق تقاسم الثروة بشقيها الزماني والمكاني، وفي سياقات تتسم بتعرضها لأوضاع الهشاشة والصراع.
تقاسم الثروات عبر العصور
اتسمت سياسة المالية العامة في عديد من البلدان الغنية بالنفط والغاز في المنطقة باتجاه مساير للدورة الاقتصادية. ويرجع ذلك جزئياً إلى شدة اعتمادها على إيرادات النفط والغاز المتقلبة، وغياب قواعد المالية العامة، وضعف عوامل الاستقرار التلقائية، وتوجد هذه المشكلات أيضاً في البلدان غير الغنية بالنفط والغاز، وإن كانت بدرجات متفاوتة.
توزيع الثروات بين الأقاليم والمناطق الجغرافية
تهدف آليات تخصيص موارد المالية العامة، سواء عبر المناطق أو بين مستويات الحكومة، إلى تحقيق التوازن بين الكفاءة الاقتصادية والعدالة في التوزيع. وتخصص النماذج المركزية، كما هو الحال في النرويج والمملكة المتحدة، الإيرادات من خلال الموازنة العامة للحكومة، في حين تخصص نماذج تقاسم الإيرادات المباشرة، مثل تلك الموجودة في الولايات المتحدة وكندا، نسبةً من الإيرادات لأجهزة ووحدات الإدارة المحلية.
وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تهيمن الدول المركزية، وتتسم إدارة عائدات النفط والغاز بدرجة عالية من المركزية. ولم يعالج أي من النموذجين بشكل كامل التفاوتات المكانية المرتبطة بثروات الموارد، وفي بعض البلدان، ارتبطت هذه التفاوتات بالمظالم والمنافسة/ بل وبالحروب. وبوجه عام، وعلى الرغم من أن بعض بلدان المنطقة سجلت درجات أفضل من المتوسطات الإقليمية والعالمية فيما يتعلق بشفافية الموازنة، فإنها لا تزال تمثل مشكلة ولذلك، فإن السياسات الشفافة القائمة على القواعد وآليات المساءلة، تعد ضرورة لنجاح نماذج تقاسم الإيرادات في المنطقة.
تواجه البلدان الهشة والمتأثرة بالصراع، والتي تعد غنية بالنفط والغاز، تحدياتٍ خاصة في ضمان إدارة هذه الثروة من الموارد وتقاسمها فيما بين أصحاب المصلحة والمناطق والمستويات الحكومية، على نحو يعزز السلام والتنمية الاقتصادية. وعلى مدى الـ 15 عاماً الماضية، كانت الصراعات والوفيات المرتبطة بها أكثر شيوعاً في بعض البلدان الغنية بالنفط والغاز (مثل اليمن وليبيا وسوريا والعراق) وفي مثل هذه البيئات الهشة والمتأثرة بالصراع، يمكن لتقاسم الثروة أن يساعد على الحد من دوافع الصراعات وتعزيز التماسك الاجتماعي، لكنه بطبيعة الحال لا يكفي وحده لمنع الصراعات أو إيقافها.
غير أن وجود آلياتٍ شفافة وقائمة على القواعد للحد من عدم المساواة يُعد أمراً بالغ الأهمية. ولكن ضعفَ الأطر القانونية والمؤسسية غالباً ما يؤدي إلى تقويض التقاسم العادل لثروات الموارد في هذه السياقات. ويتطلب تنفيذ الحلول الفنية حوكمةً مستقرة، ومشاركةً واتفاقاً موثوقاً به من جانب جميع أصحاب المصلحة، وإدارةً عامةً تتسم بالقدرة والكفاءة.
أمام بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عديد من الفرص السانحة لتحقيق الرخاء المستدام باستخدام ثرواتها من الموارد عن طريق تنويع أصولها الوطنية، وتحويل ثرواتها من الموارد إلى بنية تحتية مادية ورأسمال بشري ومؤسسات اقتصادية. ويمكنها أيضاً الاستفادة من تجارب بلدان أخرى على مستوى العالم، سبق لها تحقيق النجاح في هذا المسعى. وثمة 4 نقاط رئيسية مستخلصة من تقريرنا يمكن الاستفادة منها فيما يتعلق بكيفية المضي قُدُماً، وهي كما يلي:
أولا : لتعزيز استقرار الاقتصاد الكلي، يتعين على واضعي السياسات إنشاء أو تعزيز عوامل الاستقرار التلقائية، فضلاً عن تحسين رصد مؤشرات الاقتصاد الكلي، وضمان زيادة استخدام قواعد المالية العامة السليمة.
ثانيا : لتعزيز الاستقرار والادخار، يجب فصل الإنفاق من المالية العامة عن عائدات الموارد.
ثالثا : من شأن تدعيم آليات الشفافية والمساءلة أن يعزز الكفاءة.
إن النمو الشامل للجميع، الذي تدعمه آليات فعالة لتقاسم الموارد والثروات، يكتسب أهميةً خاصةً في أوقات التوترات وعدم اليقين.
كبير الخبراء الاقتصاديين - البنك الدولي