تقييم الشركات المساهمة .. هل هي مشكلة حقيقية أم زوبعة في فنجان؟

<a href="mailto:[email protected]">falkassim@fincorpgroup.com</a>

عنوان لخبر صحافي مدوٍ يصرخ في وجه المستثمرين فيقول: أنتم نصابون، ويصيح في وجه مكاتب دراسات الجدوى أنتم غير مهنيين، والأهم أنه يبكي أعين المساهمين ويقول لهم شاهراًَ ظاهراً أنتم ضحية للعبة كبيرة يقع فيها الصغار ويتكسب من ورائها الكبار.
عنوان الخبر "وزارة التجارة تتصدى لعمليات تحايل لطرح شركات بعلاوات إصدار مبالغ في تقييم أصولها".
يقول الخبر: "بدأت وزارة التجارة والصناعة بتحويل جميع دراسات الجدوى الخاصة بالشركات المساهمة إلى مكاتب استشارية متخصصة تم اعتمادها من قبل الوزارة أخيراً لتقوم بتقييم جميع طلبات الشركات التي تعتزم التحول إلى مساهمة".
"وتشير مصادر الصحيفة إلى أن الوزارة سلمت مجموعة من مكاتب الدراسات مكاتب داخل الوزارة لتمارس أعمالها تحت إشراف مباشر من مسؤولي الوزارة"!
وتؤكد الصحيفة في الخبر "أنه اتضح للوزارة أن هذه المكاتب غير مؤهلة بعد الاطلاع على إنتاجها، وأنها تسببت في طرح شركات في سوق الأسهم السعودية بعلاوات إصدار كبيرة لا تعكس واقع الشركة على أرض الواقع".
من المؤكد أن هناك لبسا في فهم موضوع التقييم, خاصة عند ربطه بعلاوة الإصدار، المشكلة أنه لبس حاد ليس لدى العامة والجمهور فقط بل أيضاً لدى المستثمرين والصحافة كذلك، والذي أود إيضاحه للقراء أن علاوة الإصدار لا علاقة لها بدراسة الجدوى الاقتصادية للشركة، كما أن دراسة الجدوى أمر مختلف كلياً عن تقييم الشركة, وكليهما أمر مختلف جداً عن تقييم الأصول.
تقييم الأصول الذي أثار حفيظة وزارة التجارة والصناعة (وفقاً للخبر) أمر فني لا علاقة لمعد دراسة الجدوى الاقتصادية به من قريب ولا من بعيد، حيث يعتمد المستشار الاقتصادي أو المالي عند إعداد دراسة الجدوى الاقتصادية على تقرير مستقل من مستشار فني متخصص يقوم بتقييم الأصول، ووزارة التجارة والصناعة هي التي ترفض أو تقبل هذا التقييم، وتقوم الوزارة عادة بقبول تقييم الأصول حتى لو تم من قبل الشركاء ما دام الشركاء مقتنعين به ومعتمدين له.
هذا التقييم الذي تقبل به الوزارة حتى عند إعداده من قبل الشركاء يكون للشركات المساهمة المغلقة وليس للشركات المعدة للطرح العام، وعلى ذلك فلا يوجد ضرر فيه على العامة من الجمهور، ويقع عبء تمحيصه وتدقيقه على الشركاء أنفسهم.
أما الشركات المساهمة العامة التي تطرح للاكتتاب العام، فيتم تقييمها عادة من قبل مستشار مالي مستقل، ويتم هذا التقييم للشركة ككل وليس للأصول التي قد تكون أحد معايير التقييم، والجهة المسؤولة عن تدقيق التقييم هي هيئة سوق المال، والهيئة هي الجهة التي يقع عليها عبء التحقق من صحة التقييم، والتأكد من أنه تم وفقاً للمعايير المتعارف عليها والمقبولة مهنياً.
وعلى ذلك فقيام الوزارة بأي إجراء نحو تغيير مكاتب دراسات الجدوى أمر عجيب غريب، ومرد هذا العجب لأمرين:
الأول: إن معد دراسة الجدوى الاقتصادية ليس مسؤولا عن تقييم أصول الشركة محل الدراسة وتنحصر مسؤولية معد دراسة الجدوى على منهجية وفرضيات الدراسة التي قامت عليها، والتي يجب أن يفصح عنها معد الدراسة، ومنها آلية تقييم الأصول إذا اشتملت الدراسة على تقديم أصول عينية من قبل الشركاء، وعلى الوزارة توجيه معد دراسة الجدوى الاقتصادية أو معاقبته إذا اعتمد أصولا عينية في الدراسة دون إيضاح آلية تقييمها أو التحفظ على قيمتها عند عدم اقتناعه بها. أما عبء سلامة تقييم الأصول وسلامته فتقع حقيقة على الملاك أمام الوزارة وليس على غيرهم، وعند تقييم الأصول تقييماً غير عادل فعلى الوزارة رفض الدراسة وتوجيه ملاك الشركة الذين قدموا تقييماً غير عادل لأصولها، وإعادة إعداد الدراسة وفق أصول منطقية وعادلة.
ثانياً: إن المكاتب الاستشارية بجميع أنواعها (الاقتصادية والمالية والمحاسبية والإدارية .. إلخ) يتم الترخيص لها من قبل وزارة التجارة والصناعة، فإذا كانت الوزارة ترفض الدراسات المقدمة من هؤلاء لأنها دون المستوى المطلوب فيجب على الوزارة وقف هذه المكاتب وسحب تراخيصها، لا أن تمتنع عن قبول الدراسات المعدة من قبلها!
والأهم من ذلك أن وزارة التجارة والصناعة مسؤولة عن تسجيل الشركات المساهمة، وليس عن تقييمها، فالوزارة يهمها بالدرجة الأولى أن يقبل الشركاء التقييم الذي تم بغض النظر عن معقوليته مع حقها في طلب التقييم متى ما رأت ذلك ضرورياً.
مع تقديرنا لوزارة التجارة والصناعة على شجاعتها ومواجهتها هذه المشكلة بصراحة، إلا أن الأمر الأكثر أهمية وإلحاحا، هو مَنْ المسؤول عن وجود علاوات إصدار مبالغ فيها لشركات تم طرحها في السوق؟ (كما ذكر في الخبر)، إذا كان هذا الخبر حقيقياً فهناك تقصير تم من الجهات ذات الاختصاص وهي وزارة التجارة وهيئة سوق المال، وهناك جهات يجب أن تحاسب وهي بيوت الخبرة الاستشارية التي قررت العلاوة غير الحقيقية، وهناك مستثمرون تكسبوا من طرق غير شرعية .
أضعف الإيمان أن تقوم الوزارة أولاً: بالتشهير بالشركات التي طرحت بعلاوة إصدار مبالغ فيها، وكذلك المكاتب التي قامت بدراسة الجدوى الاقتصادية وإعطائها الفرصة للمواجهة والدفاع عن نفسها، ثانياً: أن تعتذر الجهات المسؤولة لعامة المساهمين والمتعاملين وأن تقوم بمحاسبة المتسببين داخل أجهزتها، ثالثاً: أن يلزم أصحاب الشركات بإعادة فروقات علاوة الإصدار التي تسلموها بالزيادة إلى المساهمين المكتتبين فيها.

وكل مساهمة .. وعلاوة إصدار وأنتم بخير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي