الكفاءة الطاقمائية.. مصطلح اقتصادي حديث
في مقال سابق بعنوان "الطاقة والمياه.. زواج تقني" تم التأكيد على العلاقة التبادلية القوية بين الطاقة والمياه، وكيف أمكن عن طريق التقنيات الحديثة استغلال المياه الموجودة في المساقط الطبيعية والصناعية لتوليد الطاقة الكهربائية، وبإجمالي قدره 730 جيجاوات تسهم في تغطية ما يعادل 20 في المائة من الكهرباء المستخدمة عالميا، وفي الوقت ذاته تم تكثيف استخدام أشكال الطاقة المختلفة المتجددة من مصادرها الطبيعية أو الطاقة غير المتجددة من المواد الهيدروكربونية وغيرها لتشغيل أنظمة المياه وتحويل مياه البحر المالحة إلى مياه محلاة والاستفادة من المياه العادمة من الصرف الصحي والزراعي بعد معالجتها وإعادة استخدامها لتصبح مياها صالحة ومأمونة لتغطية نسبة كبيرة من الطلب على المياه للأغراض البلدية.
وفي ظل الزيادة السكانية المطردة التي يشهدها العالم حاليا مع ازدياد معدلات التحضر Urbanization بصورة مستمرة – أي التحول إلى المجتمعات الحضرية على حساب المجتمعات الريفية – فقد واجهت مرافق المياه البلدية مجموعة من التحديات تتمثل أساسا في محدودية مصادر الطاقة اللازمة لإدارة وتشغيل تلك المرافق، ونقص واضح في إمدادات المياه العذبة، إضافة إلى ضرورة التقيد بالاعتبارات البيئية، وللأسف الشديد فإن في العديد من الدول – خاصة الدول النامية – لا تتم مراعاة تعظيم المنافع سواء للطاقة أو المياه في تلك المرافق البلدية ولا العمل على تقليل آثارها البيئية السلبية، وهي قضية شغلت تفكير المهتمين بشؤون المياه والطاقة من المهندسين والعلماء، الأمر الذي دعا خلال السنوات القليلة الماضية إلى المناداة بإدخال فرع جديد من علوم المياه الهندسية أطلق عليه: (الطاقمائية) Watergy للدلالة على الارتباط الوثيق بين المياه Water والطاقة Energy ويعني هذا الفرع بالدراسات الخاصة بالمياه والطاقة والعلاقات التبادلية فيما بينها. وهذا الأسلوب في التعامل مع العلوم الأساسية أو الفرعية ليس غريبا على الساحة العلمية بصورة عامة وعلوم المياه بصفة خاصة والتي تضم على سبيل المثال أفرعا مثل الكيمياء المائية Hydro – Chemistry الذي يربط بين دراسات المياه وعلم الكيمياء، وجيولوجيا المياه الجوفية Ground Water Geology الذي يربط بين علم الجيولوجيا ودراسة المياه الجوفية بالتحديد، وهيدرولوجيا الأراضي العامة Land Mass Hydrology الذي يهتم بدراسات المياه والأرض، والأمثلة الأخرى كثيرة.
ولقد لاقى هذا المفهوم الحديث للربط بين الطاقة والمياه أيضا قبولا لدى العديد من الخبراء الاقتصاديين الذين ينصب اهتمامهم على العمل على تحسين الأداء الاقتصادي لمرافق المياه البلدية، أو بمعنى آخر تحقيق أقصى منفعة اقتصادية يمكن الحصول عليها نتيجة استخدام الطاقة والمياه في الوقت الذي يتم فيه الحفاظ على تلك الموارد الاقتصادية بيئيا والحد من إهدارها وبأسلوب متوازن يضمن كفاءة استخدامها وهو ما اصطلح عليه بالكفاءة الطاقمائية Watergy Efficiency.
وتهدف الكفاءة الطاقمائية إلى تحقيق التوازن والارتباط بين كفاءة الطاقة Energy Efficiency وكفاءة المياه Water Efficiency من خلال ثلاثة محاور أساسية:
المحور الأول
تقليل التكلفة الرأسمالية وتكلفة التشغيل والصيانة لمرافق المياه البلدية ومن الوسائل الممكنة لتحقيق ذلك تقليص المصروفات وتحسين خدمات المياه للمستهلكين الحاليين في ظل الموارد المالية المحدودة ووضع خطة قابلة للتنفيذ لمواجهة النمو السكاني المتوقع.
المحور الثاني
التأكيد على تأمين المياه والطاقة لمرافق المياه البلدية، حيث تشير التقارير الدولية الحديثة إلى أن الطاقة المستخدمة لإمدادات المياه البلدية تتجاوز 7.8 تريليون كيلووات/ ساعة تعادل نحو 7 في المائة من الطاقة المستخدمة للاستخدامات كافة على المستوى العالمي. ومع ذلك فإن هناك إمكانية لتوفير عُشر هذه الكمية من الطاقة إذا ما أُحسن استغلال تلك المرافق.
أما بالنسبة للمياه، فإن الاحتياجات السنوية للمياه البلدية للتجمعات الحضرية في الوضع الراهن فهي تراوح بين 35 و50 مليار متر مكعب يتم تدبيرها – غالبا – من المياه العذبة المتجددة، وعلى الرغم من ضخامة كميات المياه العذبة المتاحة على المستوى العالمي – والتي قد تصل إلى 50 تريليون متر مكعب سنويا – إلا أن أقل من 1 في المائة من هذه الكمية تعد من المياه الجاهزة للاستخدام البشري مباشرة، ومن هنا تكمن خطورة هذا الأمر خاصة مع الزيادة في معدلات النمو السكانية نحو 2 في المائة سنويا ومعدلات التحضر التي يتوقع أن تصل إلى 60 في المائة بحلول 2020. الأمر يستدعي ضرورة الحفاظ على المرافق الحالية وتقليل الفاقد منها قد المستطاع.
جدير بالإشارة إلى أن خفض كميات المياه المستخدمة في مجالات الاستخدامات البلدية والحفاظ عليها بالوسائل التقنية لا يعني بالضرورة توفرا للطاقة بل قد يؤدي إلى زيادة إجمالي الطاقة المستخدمة – كما هو الحال في أجهزة ري الحدائق كمثال - أو قد يؤدي إلى زيادة شدة الطاقة Energy Intensity – التي تؤخذ كمقياس لكمية الطاقة المستخدمة لإنتاج وحدة مياه – واستخدام غسالات الصحون في المطابخ خير مثال على ذلك، ومن هنا تكمن أهمية إيجاد نوع من المواءمة لتحقيق أقصى منفعة جدية للطاقة والمياه المستخدمة.
المحور الثالث
الحد من التأثيرات السلبية في البيئة، التي تحدث من جراء استخدام الطاقة لتشغيل المرافق المائية، والإفراط في استغلال مصادر المياه بصورة مكثفة. فالمعلوم أن الطاقة غالبا ناتجة عن الوقود الأحفوري (النفط والغاز الطبيعي والفحم) وينبعث من تلك المواد حين حرقها كميات كبيرة من أكاسيد النتروجين، وثاني أكسيد الكبريت وأول وثاني أكسيد الكربون مع جزئيات من الزئبق والملوثات الخطرة الأخرى ويؤدي ذلك إلى مشاكل لنوعية الهواء في المناطق الحضرية. إضافة إلى ما تسببه من تغيرات مناخية، بل يرى البعض أنها ربما تكون مسؤولة عن الكوارث البيئية على المستوى الدولي كالجفاف والعواصف والفياضنات وما إليها.
أما الإفراط في استخدام المياه من مصادره الطبيعية مثل البحريات والأنهار فله أيضا خطورة شديدة على البيئة لتأثيره المدمر في الأنظمة البيئية المحلية وقد يؤدي في النهاية إلى تمليح التربة Soil Salinization وحتى إلى التصحر Deasertification.
وخلاصة القول إن هناك ضرورة ملحة لتفعيل الكفاءة الطاقمائية في الاستخدامات البلدية كأداءة اقتصادية لكفاءة الطاقة والمياه المستخدمة ووسيلة فاعلة لتحسين خدمات المياه للمستهلكين الحاليين ولمواجهة التوقعات المستقبلية، فالقضية ليست في ترشيد المياه والحفاظ عليها فحسب، بل أيضا في ضرورة العمل على تقليل استهلاك الطاقة ودون إغفال الجوانب البيئية وآثارها السلبية.