جامعة المؤسس والأوامر الكريمة
سألني صديق : ما هذه الضجة التي أثيرت عن جامعتكم ، جامعة الملك عبد العزيز ، والتي أثارها مقال نشرته مجلة العلوم الأمريكية (ساينس Science)؟ فقلت له : ليست المشكلة فيما نُشر ، إنما في فهم ما نُشر!.
وبداية الحكاية هي صدور أوامر كريمة باستحداث "تأشيرة عالم أو خبير"، تُمنح، دون مقابل مالي، للعلماء والخبراء الذين ثبت تميزهم في مجال تخصصهم، بهدف استقطاب بعض العلماء والخبراء الأجانب للاستفادة من علمهم والتعاون معهم في شتى مجالات النهضة العلمية.
وقد قوبل ذلك الأمر الكريم باستحسان الإعلام والكتّاب. وإذا أحببت أن تعرف ما كتبوه في ذلك الحين فإن السيد جوجل سيساعدك ويعطيك حوالي 2640 موقعاً خلال ربع ثانية. فكانت جامعة الملك عبد العزيز سباقة في هذا المضمار وبدأت بمحاولات استقطاب علماء متميزين.
وقد وقع اختيار الجامعة على العلماء الذين يستشهد ببحوثهم بكثرة ، ويسمّون بالإنجليزية (Highly Cited Researchers) وهناك موقع على الإنترنت يعطي أسماء هؤلاء. وسبب هذا الاختيار هو أن الباحثين حول العالم كثيرون ، وما يُنشر من أبحاث كل عام يفوق الحصر. لكن ما قيمة البحث الذي إذا نشرته لا يستشهد به أحد بعدك؟ أما هؤلاء فأبحاثهم ذات قيمة لأن العلماء الآخرين يبنون على أبحاثهم.
لكن الجامعة فوجئت بأن هؤلاء قليل عديدهم ، وأن المميزات التي يمكن إعطاؤها لهم ضمن ما تسمح به اللوائح لا تكفي لاستقطابهم ، فعمدت إلى التعامل معهم بطريقة التفرغ الجزئي ، بحيث يزورون الجامعة في فترات متقطعة ويشاركون من مواطنهم في عمل الأبحاث مع الباحثين الآخرين في الجامعة ، كما يشاركون في الإشراف على أبحاث طلاب الدراسات العليا. ومن حسن الحظ فإن وسائل الاتصالات الحديثة جعلت الأمور سهلة للغاية.
أما ما جاء في تقرير مجلة العلوم الأمريكية فلم يكن ضد الجامعة بقدر ما كان لصالحها. فعندما يقول الكاتب بأن أكثر من ستين عالماً قبلوا التعاون مع الجامعة بطريقة التفرغ الجزئي فهل هذا ضد الجامعة؟.
إن ما أثار الناس هو أن المبلغ المقدّم لكل عالم من هؤلاء مبلغ كبير. فالمجلة ذكرت أنه اثنان وسبعون ألف دولار في السنة. فهل هذا المبلغ كبير فعلاً؟ وسأترك للقارئ الكريم استشارة السيد جوجل مرة أخرى لمعرفة رواتب الأساتذة الجامعيين في أمريكا.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر. فإن لعبة كرة القدم قد تفوقت على الجامعات العربية والغربية في تقديم الرواتب لمدربي الفرق واللاعبين الذين تود استقطابهم. وفي مقال نشرته الاقتصادية الإلكترونية منذ أكثر من عام نشرت معه جدولاً برواتب مدربي فرق كرة القدم المشاركة في مونديال 2010، وعددها 32 فريقاً، تبين أن إنجلترا تدفع قريبا من عشرة ملايين دولار في السنة لمدرب فريقها.
أما نيجريا فجاءت في ذيل القائمة لأنها لا تدفع سوى مائة وخمسة وثمانين ألف دولار، في حين تدفع اليونان، التي تعاني من أزمات مالية خانقة، مليون ومائة وخمسين ألفاً. ولن أذكر هنا طرق استقطاب المدربين ولا اللاعبين، ولا المزايا التي تعطى لهم فهذا مما لا يتسع له المقام.