مستقبل أسعار النفط بين نظريتين: أسعار عالية أم منخفضة؟
<a href="mailto:[email protected]">a@aalhajji.com</a>
الحلقة الأولى
يمكن اختصار ما يقوله الخبراء حول مستقبل أسعار النفط في نظريتين: الأولى، وسنسميها نظرية التغيرات الهيكلية، ترى أن التغيرات الهيكلية في أسواق النفط العالمية رفعت أسعار النفط إلى مستويات جديدة ودائمة. لذلك فإن أسعار النفط لن تنخفض إلى ما كانت عليه في الماضي. وهناك البعض ضمن هذه الفئة الذين يرون أن أسعار النفط ستستمر بالارتفاع بسبب بلوغ الإنتاج العالمي لذروته وبداية عصر "نضوب النفط".
النظرية الثانية، وسنسميها نظرية التغيرات الدورية، ترى أن الصناعات المنتجة للمواد الأولية، خاصة النفط، تمر بدورات حيث ترتفع الأسعار حتى تصل إلى ذروتها ثم تبدأ بالانخفاض حتى تصل إلى القاع ثم تعاود الصعود مرة أخرى. لذلك فإن كل ارتفاع في أسعار النفط خلال الـ 150 سنة الماضية صاحبه تغيرات هيكلية، ومع ذلك فإن الأسعار عاودت الانخفاض. بناء على ذلك فإن النظرية الأولى لا تعتبر نظرية مستقلة، وإنما حالة خاصة ضمن النظرية الثانية. وسيتم في هذه الحلقة والحلقات القادمة عرض نقاط الخلاف ومناقشتها. وفيما يلي نقاط الخلاف الرئيسة:
انخفاض نمو الطاقة الإنتاجية خارج أوبك ودخول مرحلة تركيز الإنتاج في دول أقل، الأمر الذي سيمكنها من التحكم بالأسعار.
تلاشي الطاقة الإنتاجية الفائضة في وقت استمر فيه الطلب على النفط بالارتفاع.
استمرار النمو الاقتصادي في الصين والهند ودول الاقتصادات الناشئة.
ارتفاع تكاليف إنتاج النفط ونقله وتوزيعه ورفع الشركات للسعر المجدي اقتصادياً.
تغير نوعية النفط المستخرج.
تضاؤل طاقة التكرير وعدم مواءمة المصافي لنوع النفط المستخرج.
عدم مواءمة طاقة ناقلات النفط للطلب على النفط.
ارتفاع أسعار النفط لم يؤد إلى انخفاض النمو في الطلب العالمي على النفط، على عكس ما حصل في الماضي.
تغير سلوك أوبك ورفعها لمستوى السعر المرغوب
زيادة صعوبة حصول شركات النفط العالمية على امتيازات في البلاد النفطية.
زيادة الاضطرابات السياسية في العالم.
زيادة دور المضاربين.
انخفاض نمو الطاقة الإنتاجية خارج أوبك ودخول مرحلة تركيز الإنتاج في دول أقل
يوضح الشكل البياني رقم (1) متوسط الإنتاج الشهري لدول خارج أوبك،
<img border="0" src="http://www.aleqt.com/picarchive/hgii.jpg" width="450" height="350" align="center">
التي تنتج عادة بطاقتها الإنتاجية الكاملة، ودول أوبك، وسعر النفط منذ بداية عام 1973 وحتى الفترات الأخيرة. ارتفع إنتاج دول أوبك بشكل كبير نتيجة ارتفاع أسعار النفط في السبعينيات مع إضافة آلاسكا وبحر الشمال. انخفض إنتاج هذه الدول بين عامي 1988 و1994 نتيجة انهيار أسواق النفط في منتصف الثمانينيات ثم انحلال الاتحاد السوفيتي في أواخر الثمانينات. وبشكل عام، نما إنتاج دول خارج أوبك بشكل لافت للنظر بعد عام 1994 بسبب تحسن أسعار النفط، وسماح بعض الدول المنتجة للنفط لشركات النفط العالمية بالاستثمار فيها، وزيادة الإنتاج الروسي.
هذه الزيادة الكبيرة والمستمرة في إنتاج دول خارج أوبك جعلت المحللين أكثر تفاؤلاً بمستقبل إنتاج هذه الدول، ولكن فجأة فشلت كل هذه التوقعات بسبب انخفاض نمو إنتاج روسيا وبحر الشمال. ورغم زيادة الإنتاج في إفريقيا الغربية ووسط آسيا وبعض دول أمريكا اللاتينية إلا أن نمو إنتاج دول خارج أوبك لم يتغير كثيراً خلال العامين الماضيين رغم ارتفاع الأسعار بأكثر من الضعف خلال تلك الفترة.
البيانات بين نظريتين
هذه الحقائق السابقة جعلت أصحاب نظرية التغيرات الهيكلية يعتقدون بأن هناك تغيراً هيكلياً في أسواق النفط حيث بدأ إنتاج دول أوبك بالتباطؤ في وقت بدأت فيه دول أوبك بزيادة إنتاجها وزيادة طاقتها الإنتاجية، الأمر الذي سيؤدي إلى تغيير التوازن في أسواق النفط العالمية وزيادة قدرة دول أوبك على التحكم في الأسعار. وبما أن أوبك راضية عن أسعار النفط المرتفعة، فإنها ستبذل ما في وسعها للحفاظ عليها، الأمر الذي يعني عدم عودة أسعار النفط إلى مستويات ما قبل عام 2004. ومع مرور الزمن سيقل عدد الدول المصدرة للنفط بسبب نضوب النفط في بعض البلاد المنتجة من جهة، وبسبب زيادة الاستهلاك الداخلي في هذه البلاد من جهة أخرى. وسينتج عن ذلك تركيز صادرات النفط في عدد محدود من الدول، الأمر الذي سيمكنها من التحكم بأسعار النفط كما تشاء.
إضافة إلى ذلك فإن هناك فئة من الخبراء تعتقد أن الإنتاج العالمي للنفط قد بلغ ذروته أو شارف على بلوغ الذروة. هذه الفئة تعتقد أن السبب الرئيس لارتفاع الأسعار في السنوات الأخيرة هو بلوغ الإنتاج لذروته، وأن إنتاج كثير من دول خارج أوبك قد تجاوز مرحلة الذروة. وبما أن الإنتاج العالمي سيبدأ بالانخفاض، أو على الأقل سيبقى على ما هو عليه في وقت يتزايد فيه الطلب على النفط، فإن أسعار النفط ستستمر بالارتفاع.
لكن أصحاب نظرية التغيرات الدورية لا يرون الأمور كما يراها أصحاب نظرية التغيرات الهيكلية. فانخفاض إنتاج دول خارج أوبك لا يعود إلى ندرة النفط أو عدم قدرة الشركات على إيجاده، وإنما يعود إلى عوامل اقتصادية وسياسية وقانونية. فمن المعروف مثلاً أن التجربة المرة التي مرت بها الشركات والدول النفطية في عام 1998 قد ألقت بظلالها على قرارات الاستثمار في مزيد من الطاقة الإنتاجية. انخفاض نمو إنتاج النفط الروسي يعود إلى مشاكل سياسية داخلية ومحاولة الحكومة استعادة السيطرة على قطاع النفط بعد أن قامت بتحريره في التسعينيات. تصرفات الحكومة الروسية لم تخفض النمو في الإنتاج الروسي فقط، وإنما خفضت أيضاً احتمال زيادة معدلات النمو لأنها أخافت المستثمرين الأجانب.
تغيير قوانين الضرائب البريطانية بشكل يجذب استثمارات جديدة قد يساعد على عودة النمو إلى إنتاج بحر الشمال. التخفيف من حدة القوانين البيئية في بعض الولايات الأمريكية، خاصة في فلوريدا وكاليفورنيا وبعض مناطق جبال الروكي، سيزيد الإنتاج الأمريكي بشكل ملحوظ. والأهم من ذلك كله فإن انخفاض إنتاج الولايات المتحدة والمكسيك يعود إلى الأعاصير في خليج المكسيك، وليس إلى ندرة النفط. إن عدم قدرة بعض المناطق حالياً على استعادة إنتاجها يعود إلى المنافسة العالمية الشديدة على الحفارات التي ارتفعت أجورها بشكل هائل خلال العامين الماضيين، التي أسهمت في تأجيل قرارات الحفر مؤقتا. بالإضافة إلى ذلك فإن ارتفاع أسعار المعادن أسهم في رفع تكاليف بعض المشاريع بشكل يفوق موازنتها الأصلية، الأمر الذي تطلب تأخير هذه المشاريع. لذلك فإن أسعار النفط ستنخفض بسبب زيادة الإنتاج من دول خارج أوبك مع تغير العوامل السياسية والقوانين الحكومية واستعادة الإنتاج الأمريكي من خليج المكسيك.