القذافي.. وشبح صدام

لم تكن صور صدام حسين في أيامه الأخيرة تفارق العقيد معمر القذافي، فقد كان في كل تصريح له يذكّر بما جرى لصدام، ويحذر من مصير مشابه، صور صدام تلك كانت الدافع القوي للقذافي ليقدم كل تنازل يُطلب منه، فبدأ بفضح كل من له علاقة بالنظام الليبي من ثوار العرب وغيرهم، وسلم كل معلومة لديه عنهم إلى أجهزة الاستخبارات الغربية، ثم سعى إلى تقديم ما طلبته الدول الغربية من تعويضات لضحايا لوكربي، وقدم تنازلات في المجال الاقتصادي، وكان يعتقد أن هذه التنازلات ستبعده عن مصير صدام.
القذافي رغم خوفه الشديد من هذا المصير وتحذيره الزعماء العرب في أحد مؤتمرات القمة من مصير صدام، إلا أنه وقع فيما حذر منه، ووجد نفسه يُساق إلى المصير نفسه، والسبب في ذلك أن القذافي الذي اعتقد أن تنازلاته للغرب ستنقذه، أخطأ في تعامله مع شعب طالما عاش مغيباً عن العالم، شعب يفتقد أدنى مقومات الحياة، رغم غنى بلده وقلة عدده .. القذافي الذي لم يوفر صفة سيئة إلا وأطلقها على هذا الشعب، يختبئ الآن كما اختبأ صدام، وينتظره مصيرٌ قد يكون مثل مصير صدام.
معمر القذافي الآن يُصارع بحثاً عن مخرج، وهو صراع قد يُطيل أمد بقائه إلا أنه لن ينقذه من مصير سعى إليه بنفسه عبر تصرفات لم يسبقه إليها أحد، أراد من خلالها اختزال بلد وشعب كامل في شخصه، بل اختزال دين كامل بآراء غريبة ساقها على أنها نظريات.
القذافي سقط ليكون ثالث ثلاثة، يجمعهم أن تصرفات فرد كانت أحد أسباب السقوط، فالأول أساءت إليه زوجة، والثاني أساء إليه ابن، أما القذافي الذي جمع بين الحماقة والجهل والطغيان، فقد أساء إلى جميع أبنائه حينما طبعهم بشخصيته وجعلهم نسخاً منه، يمارسون ما يمارسه، ويرددون شعاراته.
مهمة المجلس الانتقالي الليبي لبناء دولة ليبيا الجديدة ستكون مهمة صعبة، فالقذافي ألغى الدولة قبل أن يلغي الشعب، والمهمة ستبدأ بإعادة الدولة إلى الوجود، وإزالة كل ما استحدثه القذافي بفكره المريض، بدءا من تغيير التاريخ، إلى فرض الكتاب الأخضر، إلى ذلك الاسم العجيب الذي أطلقه على ليبيا.
مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي، هذا الرجل الذي يتميز بالهدوء والسكينة، التي افتقدها الليبيون طوال أربعة عقود، أمامه مهمة صعبة للوصول بليبيا إلى بر الأمان، وما يطرحه من تصورات عن ليبيا الجديدة قد يصطدم بطموحات شخصية أو انقسامات حزبية وعرقية وقبلية.
مصطفى عبد الجليل قد يكون سوار دهب آخر يُغادر بمجرد استتباب الأمور في ليبيا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي