استهداف السعودية حينما يحمل في داخله تسويقا لمشاريع إقليمية
يروي لي الدكتور فاضل زكي أن السياسة الخارجية والعمل الدبلوماسي ليس مفصولا عن العقيدة السياسية للدولة، وعن منظور الدولة لمجالها الحيوي ورؤيتها الاستراتيجية، وعن شعورها وإحساسها بدورها التاريخي والإنساني، وكثير من الدول يسخِّر هذه القوة الحية لخدمة شعبهم ووطنهم وأمتهم والمجتمع الإنساني، ومنها من يرى العكس تماما بأن أهدافه (لعدم مشروعيتها) لا تتحقق إلا بالقوة والخداع والتدليس وإدامة الفوضى والتوتر وفرض الوصاية على الآخرين بمختلف السبل والقضم التدريجي، ويشترك في هذا الشأن جميع الدول التي نفذت عمليات القضم التدريجي لأراض عربية.
وفي الأمس القريب، سمعت لمتحدث يقول إن إيران توهم العالم بأنها دولة رسالية، وأن رسالتها مساندة المقهورين والمعذبين والمستضعفين في الأرض، وهنا نقول إن مقهوري إيران أولى، فالأقربون أولى بالمعروف، فبدلا من تبديد أموالها على الخارج، وبدلا من التبجح بإسلاميتها لتنظر إلى السنة في إيران وتعطف عليهم بدلا من سحقهم وإلغاء كيانيتهم القومية كما يجري اليوم في عربستان وبلوشستان، كما لو كانوا في مهد الشيوعية!!
ولأن المجال الحيوي يحتاج إلى تجاوز كثير من التعقيدات لخدمة الغرض السياسي، يروي أحمد الكاتب أن القيادة الإيرانية والإمام الخميني كانا وراء اغتيال العلامة محمد باقر الصدر، وذلك عندما طلب الخميني توجيه نداء بالفارسية للصدر يطلب فيه عدم خروجه من العراق؛ لأن الثورة مقبلة، كان ذلك في بداية الثمانينيات. ويضيف الكاتب أن الاستخبارات العراقية ترجمت الخبر العاجل وألقت القبض على الصدر وتم إعدامه، وهذا العمل بالطبع تم ليس عفويا وإنما بتخطيط هدفه القضاء على القيادات الشيعية من أصول عربية، خاصة أن الصدر كان مثقفا وعالما، وهذا يؤكد وجود مؤامرة إيرانية على المرجعية الشيعة العربية، وإلا كيف يتم التواصل مع شخصية معروفة وإعطاؤها تعليمات عبر المذياع.
وفي هذا الإطار، يؤكد الدكتور عبد الله النفيسي في محاضرة له في جامعة الكويت بتاريخ 20/3/2011، وكانت بعنوان: "التغيير الشعبي في الوطن العربي السياق والدلالة" أنه وبعد زيارات ولقاءات عديدة في طهران وبغداد مع المراجع الشيعية، وبحكم أن أطروحته للدكتوراه كانت حول "الدور السياسي للشيعة في تطور العراق السياسي الحديث" يقول النفيسي وبعد هذه الخبرة الطويلة (فإنهم في إيران يستعملون التشيع كحصان طروادة وليس اعتقادا للتشيع. فالتشيع عربي في الأصل وليس إيرانيا، والذين نقلوا التشيع إلى إيران هم عرب. ولذلك إيران ترى الوسيلة الوحيدة لاختراق العرب هي التشيع مع أن دولتهم دولة قومية فارسية، ويضيف النفيسي أنه (من المرشد إلى أصغر موظف في الخارجية إلى كبار الضباط في الجيش إلى الحرس الثوري إلى وزارة الاستخبارات ـــــــ كانوا يحضرون محاضراتي عبد الله نوري وجماعته ــــ كل هؤلاء تجمعهم مسألة واحدة، وهي أن دول الخليج تابعة لإيران أساسا تاريخيا، والأمر الثاني أن هناك ثأرا تاريخيا بيننا وبينكم أيها العرب الذين غزوتمونا بما تسمونه الفتح الإسلامي وقضيتم على حضارتنا الفارسية، ونحن الآن سنحت لنا الفرصة للأخذ بهذا الثأر التاريخي. كلهم مجمعون على هذا الكلام).
ولتوضيح الخلاف المنهجي والعقدي بين ولاية الفقيه كولاية سياسية وبين المراجع الشيعية العربية يؤكد النفيسي أنه تلقى دعوة من محمد باقر الحكيم في أثناء إقامة الحكيم في طهران وفي منزله، وأنه استغرب إصرار الحكيم على أن يغلق الأبواب والمنافذ، وقال للنفيسي التالي: (يا عبد الله نحن استضفناك ستة أشهر في بيتنا، أنا أحس بأن الإيرانيين اضطهدونا، فطلبت منه أن يخفض صوته لئلا يسمعه أحد وقلت له: نحن نعدكم في العالم العربي والخليج عملاء لإيران، فقال: يا ليتهم يعاملوننا كعملاء لإيران، إنهم يذلوننا لأننا عرب، وقد اكتشفت بأنهم فرس، والتشيع بالنسبة لهم حصان طروادة لاختراق العالم العربي. فقلت له: وماذا ستفعل؟ فقال: أول خطوة سأقوم بها حين أعود إلى النجف أن أحول المرجعية إلى مرجعية عربية بدل المرجعية الفارسية)، ويضيف النفيسي: (ولذلك فإن مقتل محمد باقر الحكيم له علاقة بهذا. واتهام القاعدة بذلك ليس صحيحا، فليس للقاعدة أي مصلحة في اغتيال الحكيم)، وهنا أتذكر أنني زرت منزل عبد المجيد الخوئي في النجف عام 1989 وعرفت كثيرا عن الخلافات بين المراجع وعمالة بعضها لإيران، وللعلم فإن عبد المجيد قتل بأيدي قوات مقتدى الصدر عام 2003 رغم أنه كان عازما على تحقيق مصالحة بين حيدر الكليدار ومقتدى الصدر وبدأت حملة تشويه كبيرة لعائلة الخوئي واتهامهم بأنهم من أصول مسيحية، ولكن الهدف الحقيقي هو إبعاده عن مرجعية النجف، وجريمة قتله نسبت طبعا لتنظيم القاعدة.
أدوات السيطرة الإيرانية
ضمن هذا التوجه تفهم عقيدة السيطرة الإيرانية على العراق وعلى المرجعية الشيعية فيه، والسعي الإيراني المحموم في البكاء على العرب من الشيعة، وفي دعم المقاومة ضمن سياسة المجال الحيوي، فغالبية المراجع اليوم بما فيهم علي السيستاني هم إيرانيون وهم ملتزمون بخط المرشد الأعلى علي خامئني وتوجيهاته، وملتزمون بولاية الفقيه ببعدها السياسي. وعليه؛ ندرك أن السيطرة هي سيطرة سياسية، والاستخدام استخدام سياسي، وأن الدين يشكل إطارا للحركة والاستخدام والتوظيف لما فيه من إمكانية لكسب الناس وخداعهم أيضا لتحقيق أهداف بعيدة، والآن تستعد طهران لبناء ما يسمى "قُم الصغرى" في دمشق، وقد استعدت لذلك مبكرا، وتعمل على اختراق المجتمع السوري، ناهيك عن دعمها التيار الصوفي في مصر للسيطرة على (مشيخة الأزهر)، وعندها تكون إيران قد وضعت قواعدها وأقدامها وأحكمت حلقاتها على عواصم القرار العربي.
فالصدام الحاصل بين التيار الصوفي في مصر ورموزه وبين التيار السلفي، له بواعثه السياسية وله أجنداته، وهي أجندة ليست مفصولة تماما عما جاءت به المقدمة، كمدخل من مداخل السيطرة الإيرانية على المنطقة العربية، والملاحظ أن الصدام في مصر، لكن نيرانه وأهدافه البعيدة هي تكريس الإساءة للسعودية، وضرب للعلاقة مع مصر.
ففي مصر الآن مرحلة ظهور وحضور لمختلف التيارات السياسية والدينية بعد فترة من الغياب، ومصر الجديدة في طور التشكل السياسي، وعليه فإن هذه المرحلة تبدو مهمة وخطيرة في التاريخ السياسي المصري؛ كونها مرحلة من مراحل الهجوم على مصر ومحاولة إرباكها سياسيا وتقييدها بأجندات ومصالح خارجية، وهذه الأجندات تتضح معالمها بين ثلاث دول رئيسة هي إيران وإسرائيل وتركيا، ولكن لهذا الصراع الدائر أيضا أدواته وله محاولاته الرامية لإفساد العلاقات بين مصر وعمقها العربي في إطار رؤية استراتيجية تهدف إلى عزل مصر عن مثلث القرار السياسي العربي، والمثلث كان على تقليديته ممثلا للنظام السياسي العربي، ومكونًا رئيسا لشخصيته، وحائطا رئيسا في المواجهة والدفاع عن الأمن القومي العربي.
في حرب غزة 2009، عملت إيران كل جهدها للنيل إعلاميا من المملكة (اعتدال وممانعة ومؤتمرات صحافية ومؤتمرات قمة هنا وهناك) حتى سحب خادم الحرمين الشريفين في قمة الكويت البساط من تحت أقدامها، وفيما بعد حاولت شد أطراف الأمن السعودي من خلال الجيب الحوثي في اليمن، وأيضا استهدفت مصر ودورها المحوري العربي، وعملت واستعانت بحزب الله والحرس الثوري للنيل من أمن مصر واستقرارها السياسي، وقد تمكنت المخابرات المصرية من إحباط خلايا تابعة لحزب الله والحرس الثوري مرات عديدة، وقد لجأت إيران إلى عمليات شراء الذمم، وبات لها في مصر صحف ودور نشر ومراكز دراسات، وعملت على تشجيع التشيع في المجتمع المصري وصولا إلى مرحلة الإقناع بالمشروع الإيراني الشرق أوسطي بديلا عن المشروع الأمريكي، وقد سادت نغمة وسط بعض المصريين وتحديدا حزب العمل الإسلامي الذي استضافت طهران أخيرا رئيسه مجدي أحمد حسين المرشح لرئاسة الجمهورية في مصر.
السياسة والمتغيرات الجديدة
مصر اليوم تعيش إرهاصات لتحالفات يجري عقدها ويجري تشكيلها، ولهذا تحاول إيران أن تحصل على موافقة سياسية من العهد السياسي الجديد بأن مرحلة العلاقات السابقة، لن تستمر، طهران أرادت جس نبض مصر الجديدة عبر البارجتين التي أرسلتهما إلى سورية، وأيضا تصريحات المرشد الأعلى علي خامئني من أن روح الخميني تهيمن على روح الثورة المصرية، الأمر الذي استفز قطاعات عريضة في المجتمع المصري، وتحسست كثيرا من المرحلة القادمة، ما دعا حركة الإخوان المسلمين وعلى لسان عصام العطار للإعلان أن الإخوان حركة تؤمن بتداول السلطة، ولن تسعى للحصول على الأغلبية، وضاعف ذلك إعلان المجلس العسكري أن مصر لكن يحكمها خميني جديد، وحاولت إيران جس النبض المصرية حيال أمن الخليج العربي بتهديد أمن البحرين، ولأن أمن الخليج جزء لا يتجزأ من أمن مصر القومي، فقد حاولت طهران أن تستقرئ الإطار العام للأمن القومي المصري في إطار حركة المتغيرات الجديدة، وجاء الرد المصري أن أمن البحرين ودول الخليج جزء من الأمن القومي المصري، ومع ذلك لم تمانع مصر من الانفتاح على إيران، غير أن هذا ليس بكاف لدى إيران، فإيران مهتمة أساسا بدق إسفين بين مصر والسعودية في إطار رؤية استراتيجية تهدف إلى كسر مثلث القرار العربي وجعله من الماضي، والسيطرة على الشارع المصري ومن ثمة التأثير في السياسة الخارجية المصرية.
ما زالت السياسة الخارجية المصرية ملتزمة بثوابت الأمن القومي المصري وستبقى، لكنها سياسة ستتسم مستقبلا بالدينامية والفاعلية، وربما تشهد انفعالا ونزقا أيضا، ولمصر حريتها في بناء علاقاتها الخارجية، مع الدول المشكلة للإقليم، ولهذا ليس هناك اعتراض سعودي ولا خليجي في موضوع السياسة الخارجية المصرية، فلمصر بإرادتها أن تقرر شكل علاقاتها، وهو ما أكده وكيل وزارة الخارجية السعودية الأمير تركي بن محمد بن سعود الكبير بقوله (ليس هناك تدخل سعودي في الشأن المصري) الحياة 18/4/2011)، لكن السياسة الخارجية للدول جزء من منظومتها العربية والإسلامية، وجزء من المجتمع الدولي والتزاماته، وجزء معبر عن شخصية الدولة تاريخها وثقافتها، ومع ذلك لن تكون علاقات مصر بإيران على حساب الأمن القومي العربي والخليجي، بل إن مصر تستعيد مع الوقت دورها المحوري الرئيس في المنطقة، وهذا سينال مزيدا من الدعم العربي لمصر وتحديدا من السعودية ودول الخليج.
ولعل حركة المتغيرات التي ضربت المنطقة العربية ستؤدي في مقبل الأيام إلى مزيد من الإصلاحات الداخلية وإحداث تغيير في العقيدة السياسية والأمنية والعسكرية، وأيضا إصلاحات في بنية وتوجهات السياسة الخارجية للدول، ومن ضمنها دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها السعودية؛ لأن حركة المتغيرات تلك ستفرض أيضا نفسها على دول المجلس من حيث شكل التكتل والإسراع في تنفيذ قرارات مجلس التعاون الخليجي في أبعادها الأمنية والعسكرية والاقتصادية، والسياسية، وهناك معلومات تؤكد أن ثمة مباحثات تجري حول تعزيز الروابط الاستراتيجية بعدما استشعرت دول الخليج أهمية التحديات الراهنة، فالعملة الخليجية وجيش خليجي ووكالة للأمن وللاستخبارات، أصبحت جزءا من حديث صناع القرار الخليجي، وهذا سيجعل من دول المجلس، كما أكدت الأحداث الأخيرة قوة وكتلة ولحمة واحدة، وسيدفعها بالطبع لإعادة قراءة التفاعلات والعلاقات على نحو مختلف أيضا، وهو ما عبر عنه مساعد وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلطان (أن الأحداث العالمية والإقليمية، وتغير موازين القوة من حولنا تدعونا إلى امتلاك القوى في شتى صورها، وتطوير قدراتنا القتالية وتحسينها" (الحياة 18/4/2011).
أبعد من الصوفية والسلفية
انطلاقا مما تقدم؛ نفهم أبعاد الصدام الجاري في مصر بين التيار الصوفي والتيار السلفي، فقد عملت طهران من خلال علاقاتها مع التيار الصوفي في مصر على الهجوم على السياسة السعودية بحجة أن الهجوم على السلفية هو هجوم على الدولة السعودية، وهنا الهجوم يأخذ بعدين ديني وسياسي، ففي 9/4/2011 نظمت رموز شيعية مصرية وقفة احتجاجية أمام السفارة السعودية في القاهرة، للتنديد بما أسمته موقف السعودية من فتاوى هدم الأضرحة ودعم التيار السلفي، على حد تعبيرهم، موضحين أن الدعم السعودي يحرك السلفيين لضرب السلم الاجتماعي المصري وترويع المجتمع بتهديد أكبر شرائحه، وهم (الصوفية والأقباط) كما يقولون هم طبعا، وهنا نكتشف اللعبة الإيرانية في تعزيز الفتنة الطائفية، وفي ضرب أمن واستقرار مصر وتوجيه الاتهامات للسعودية، علما بأن قوة الحضور والفاعلية والحيوية لم تختبر لأي من التيارات المصرية.
والمشكلة أن إيران ومن هم خلفها لا ترغب في الفهم؛ لأن الفهم ينفي كثيرا من المغالطات، ويقضي على تلاعباتها ويفقدها كثيرا من أوراقها، فقد أعلنت المملكة مرارا أن (الوهابية) لا تشكل ولا ترقى إلى المذهب، وأن محاكمتها ممكنة من خلال محاكمة تراث الشيخ محمد بن عبد الوهاب، إلا أن الهدف السياسي لا يرغب في البحث والمحاكمة المهنية العدالة، وإنما يرغب في التجاوز عن الحقائق لغايات وأهداف معروفة، ولهذا تترابط الأهداف الإيرانية مع الاتهامات الخارجية، لتصب في مجرى واحد هو استهداف الدولة السعودية وعقيدتها الصحيحة واستهداف دورها العربي والإسلامي المحوري.
وهنا نستذكر تأكيدات الأمير سلمان بن عبد العزيز أخيرا في محاضرته في الجامعة الإسلامية، وتأكيده على أن هناك نقمة على الدولة السعودية بسبب عقيدتها الصحيحة، فقال: "لقد بدأ البعض بإطلاق مصطلح الوهابية على تلك الدعوة لتنفير المسلمين من هذه الدولة ومبادئها الصحيحة، وأنا هنا أدعو الجميع إلى العودة إلى تراث الشيخ محمد بن عبد الوهاب والبحث في ثناياه عن أي شيء يخالف الكتاب والسنة النبوية المطهرة، ولن يجدوه، أين الجديد أو الاختراع في هذه الدعوة حتى يطلقون عليها أشنع الألقاب والصفات ويصمونها بأنها تتضمن أشياء غريبة خارجة عن الدين الإسلامي؟".
وضمن مرحلة التشويه المتعمد دعمت إيران ندوات عقدت في مصر، وفي ظل نظام حكم مبارك حول (الوهابية خطر على الإسلام) بالتعاون مع مؤسسة هيرتج الأمريكية، وهي مؤسسة محافظة وقريبة من اللوبي الصهيوني، وكان عنوان إحدى هذه الندوات التي أشرف عليها علي اليامي (خطوات لإضعاف التطرف الإسلامي من الجانب السعودي)، حيث أوضح علي اليامي لإحدى القنوات الفضائية التابعة لإيران «قناة العالم الإخبارية» أن السعودية لا يمكنها أن تتجنب الثورات التي تعصف بالعالم العربي، داعيا السعودية إلى خلق تغييرات وإطلاق الإصلاحات إذا ما كانت تريد استقلال البلاد ووحدتها.
وعليه ولفهم ما يجري في الشارع المصري من تهجم واضح على الحركة السلفية وبعض مناشطها، وإن اختلفنا مع بعض توجهاتها وتصرفاتها، وعلى الرغم من أنها تيار مصري يحتكم للقوانين المصرية، فإن الهجوم عليها سببه أولا حالة الشعبية الكبيرة التي تثير مضاجع الصوفية وإيران؛ ولأن الهدف الرئيس من هذا الهجوم هو الهجوم على السعودية، ولهذا تؤكد المعلومات وبحسب مصادر مصرية من أن من قام بعمليات هدم بعض الأضرحة الصوفية في مصر ليست الحركة السلفية، وإنما هم بعض التابعين لإيران، وذلك لتأليب الشارع ضد السلفية، ومن ثم تأليب الشارع ضد السعودية بالمحصلة، ترافق ذلك حركة دعاية سياسية تؤكد أن السعودية ساندت الرئيس المصري حسني مبارك وتحول دون محاكمته، بينما السياسة السعودية كانت داعمة لأمن مصر واستقرارها، وأن التغيير الداخلي شأن مصري، والرئيس المصري خاضع وعائلته لحكم القانون المصري، ورفض الخروج من مصر رغم أن دولا كبرى رحبت به!!
وضمن هذا المنطق يمكن فهم التوجيه الاستخباري الإيراني الداعي لاغتيال عدد من قيادات ومراجع الشيعة العرب في كل من الكويت والسعودية والبحرين وتصفيتهم، لعدم تلبيتهم الاحتياجات الأمنية والسياسية لإيران، ولكن وبحسب مصادر كويتية فإن التهمة ستلفق حينئذ لاستخبارات هذه الدول لإثارة الاضطرابات الداخلية فيها، أي لتأليب المواطنين الشيعة ضد دولهم وحكوماتهم.
لقد سمح التغيير في مصر لجميع القوى والحركات السياسية والدينية للظهور إلى العلن، والتعبير عن وجودها، وهو ما دعا الحركة السلفية لعقد اجتماع لقياداتها في أسيوط، الأمر الذي أثار حفيظة الصوفيين المدعومين من إيران، وأعلنوا رفضهم لوجود الحركة السلفية المصرية، لا بل أكدوا في بيانهم أنهم لن يسمحوا للسلفيين بحكم مصر أو الاقتراب منه، في بادرة احتجاجية لها أبعاد سياسية مكشوفة، في وقت كان جهاز أمن الدولة المصري قد حل مجلس إدارة جماعة الدعوة السلفية عام 1994، بينما كانت الحركة الصوفية على علاقة قوية بنظام الرئيس المصري حسني مبارك، وكان السفير الأمريكي في القاهرة ضيفا دائما على حلقاتها وحفلاتها، وأذكر أن دبلوماسيا مصريا أكد أن الخارجية المصرية اعترضت ذات يوم على حراك السفير الأمريكي دون علم منها، وكان جواب الخارجية الأمريكية تحركات السفير يجيب عنها سؤال من يضمن مصالح أمريكا حال ذهب مبارك وكان هذا الكلام في عام 2004.
الهدف من الإثارة الطائفية
عليه؛ لا نبالغ عندما نجد أن هناك شبهَ مخططٍ لاستهداف السعودية ودورها السياسي، وشيطنتها، وتشويه صورة المملكة، ومنهجها الديني، وهذا الاستهداف ليس له غير الأسباب السياسية، فالمسألة ليست صراعات طائفية وليست مذهبية وليست صراع أدوار، وإنما صراع مصالح مطلوب فيها تجاوز عقدة التكوين السياسي السعودي سياسيا ودينيا وثقافيا وتاريخيا، وهذه العقدة يراها البعض شاخصة أمامه في كل طريق للحضور والسيطرة والنفوذ والامتداد والتأثير، ولهذا فإن أراد البعض التفتيش عن النوايا والأهداف ليفتش عن اثنين لهما ثالثهما في المنطقة وهما إسرائيل وإيران، وكلا الاثنين يعتمدان منهجا يكاد يكون متوافقا في كل المعطيات.
وفي محاضرته يكشف الدكتور النفيسي عن الأهداف الإيرانية وطبيعتها ويقول "لقد صدر أخيرا كتاب ألفه رجل أعمال إيراني مقيم في تكساس اسمه تريتا بارسي كان مبعوث الحكومة الإيرانية إلى إسرائيل وإلى أمريكا، كتبه بالإنجليزية ونقل إلى العربية في لبنان، عنوانه: (التحالف الشرير بين أمريكا وإسرائيل وإيران)، ذكر فيه معلومات بأسماء وتواريخ وأماكن واجتماعات بين الأطراف الثلاثة بهدف التآمر على الدول العربية في الخليج).
إذن المسألة ليست سنة أو شيعة، وليست رافضة أو نواصب، فالعرب على اختلاف مذاهبهم ليست بينهم خلافات في العمق، وليس هناك إفناء وإلغاء، كما تعمل طهران مع العرب والسنة في إيران، فهذا ليس هو الدين، ولكن المختلف فيه هو تلك الولاية السياسية والتبعية الدينية والتدخل الأمني والاستخباري في شؤون دول الخليج العربية، ولهذا فإن عديدا من العقلاء العرب من المثقفين ومن النخبة يرون أن الخطر الإيراني لا يقل عن الخطر الإسرائيلي الصهيوني، فكلاهما له أهدافه ومطامعه ومراميه، حتى لو تدثر بلباس الدين وحقوق المستضعفين والدفاع عن فلسطين.
إيران اليوم تجيد العمل بعقلية البازار السياسي، وبمنهجية الباطنية السياسية، لذا علينا قراءة وتحليل كل تحركات هذه الدول الظاهرة والباطنة منها، خاصة في عهد التزييف الإعلامي، فقد بات لفن وتسويق الكلام دور كبير في كسب الحروب وفي قصف العقول، ولهذا يتركز الخطاب الإعلامي الإيراني وأدواته على أمور أساسية أولها ضرب العلاقات العربية العربية، والثاني إظهار نفسها مدافعا عن الحقوق المسلوبة ومقاومة المستعمر، وثالثا إثارة الفتنة الطائفية، ورابعا: الهدف الاستراتيجي وهو الامتداد والنفوذ.
في هذا الإطار تسعى إيران ما بوسعها لضرب العمق الاستراتيجي للأمة بتفكيك العلاقات السعودية ـــــــ المصرية والسورية والعمل على تصدعها وتشويهها، وإثارة المخاوف والهواجس السورية في حديثها عن دور سعودي في إثارة القلاقل والشغب في سورية، مثلما كان دورها مؤثرا في السياسة العراقية سابقا، وهذا بالطبع هدفه التفرقة بين دول مثلث القرار العربي، وهي اليوم وعبر أدواتها ساعية بقوة لتحقيق هذا الهدف.