السعودة.. تعالوا إلى كلمة سواء لحل مشكلة البطالة «4 من 4»

عندما هممت بالكتابة حول مشكلتنا المعضلة ''البطالة'' لم تكن الخواطر وحدها لتكفي بمسؤولية القلم، ولا اقتناص المعاني مجردة لتفي بمقام الحرف، فكان أن بدأت بجمع المعلومات، واستحضار الأدوات، وأعملت النظر والفكر والإحصاء .. فأنا أدرك تماماً أنها قضية شائكة ومعقدة وتحتاج إلى استكشاف دقيق لظاهرتها، وتوصيف متقن لعلاجها. فلا يتناولها الحديث الفكري بمفرده، ولا معرفة حجمها الواقعي وأثرها الميداني في حياة المجتمعات والشعوب بمعزل عن الدراسات، وبمعزل كذلك عن تجارب الآخرين، والتأمل في برامجها ونتائجها سيوصل إلى علاجها والتخلص من آثارها.
فمشكلة البطالة، ليست مشكلتنا في المملكة فحسب، ولا هي أيضا مشكلة العالم العربي الذي يسمع ناقوس خطرها من زمن بعيد فلم تستيقظ بعض شعوبه إلا على فوضى عارمة، بل هي مشكلة عالم بأكمله، فلا تكاد تستثني منها بلداً بعينه، فكل يعاني من آثارها، ويقاسي من تفاقمها ولكن بنسب متفاوتة، وبحسب قدرات هذا البلد أو ذاك وأساليبه في التصدي للظاهرة وأسبابها.
إن الحديث عن البطالة ليس بالأمر السهل، بل هو حديث مؤلم ومؤرق بقدر الأرق والمعاناة التي تعتري أولئك العاطلين عن العمل .. الذين يعانون من الفقر والحرمان وما يعكسه ذلك من شعور بالفشل وعدم الاستقرار، وارتفاع نسبة الكآبة والقلق في حياتهم، فقد أثبتت الإحصائيات العالمية أن أكثر الذين يقدمون على الانتحار هم من العاطلين عن العمل. وأكدت النتائج البحثية وجود علاقة ثابتة ومطردة بين جرائم الاعتداء والسرقة, وبين البطالة.
وليت المشكلة التي طوقت العالم العربي اليوم تقف عند هذا الحد، إنها تزيد تفشياً وتفاقماً يوما بعد يوم، فقد جاء في تقرير المعهد العربي في بيروت في شباط (فبراير) 2011: توقع تزايد العاطلين عن العمل في الدول العربية ليبلغوا 19 مليونا في 2020، الأمر الذي يثير القلق، وينذر بالخطر ويدق ناقوسه، ويحتم على الحكومات العربية سرعة التعامل مع المشكلة بالعمل على رفع مستويات النمو، والتحرك الجاد لكبحها من خلال تحسين المناخ الاستثماري واستعادة 800 مليار دولار عربية مهاجرة حسب تقديرات الخبراء للتوسع في المشاريع الإنتاجية والصناعية أو البقاء على استقرار معدلات البطالة كما هي عليه على أقل الأحوال، فلم تعد هناك دول عربية محصنة ضد البطالة، كما كان يعتقد قبل سنوات، ولم يعد الأمر يتعلق ببلدان غنية وأخرى فقيرة في معظم بلداننا، لأن الإحصاءات التي تنشر أرقامها من هيئات أو دوائر حكومية تساوي بين أرقام دول الخليج في البطالة، وأرقام البلدان ذات الموارد المحدودة، لتصبح المشكلة حالة لا يمكن السكوت عنها أمام تدفق الآلاف، وامتلاء الساحات للمنافسة على عشرات الوظائف في وقت تعد فيه التحويلات الخليجية تدفقاً ضخماً، ومصدراً مهماً لاقتصاديات بعض الدول الآسيوية التي تبلغ تحويلات عمال ثماني دول منها يقيمون في الخليج نحو 166.5 مليار دولار سنوياً. وحسب تقديرات للبنك الدولي أن الهند فقط تلقت في 2010 ما يقدر بنحو 55 مليار دولار في شكل تحويلات مالية، والصين 51 مليارا والفلبين 21.3 مليار وبنجلادش 11.1 مليار، وباكستان 9.4 مليار وفيتنام 7.2 مليار دولار، وإندونيسيا 7.1 مليار، وتايلاند 4.4 مليار دولار. وذلك من قبل أكثر من 11 مليون عامل مغترب في خليجنا العربي من بينهم ما يقدر بنحو ثمانية ملايين شخص من بلدان جنوب وشرق آسيا، والهند وحدها لديها 4.9 مليون من العمال والمديرين في شركات دول مجلس التعاون الخليجي الست.
إن ظاهرة بهذا الحجم من الأضرار والآثار لتؤكد على العقلاء والخبراء التنادي العاجل لوضع الخطط والاستراتيجيات الشاملة للتصدي لها ومنع تفاقمها، فبحسب المهندس عادل فقيه وزير العمل أن معدل البطالة في بلادنا بلغ 10 في المائة في 2010، وأننا في حاجة إلى توفير خمسة ملايين وظيفة للمواطنين بحلول 2030. بينما تشير التقارير والإحصائيات الدولية إلى أن معدل البطالة في السعودية 11.9 في المائة، وتصل نسبة البطالة بين من هم في مرحلة الشباب إلى 39 في المائة، حسب تقديرات جون سفاكياناكيس كبير الاقتصاديين في البنك السعودي الفرنسي. كما تشير الإحصاءات ذاتها إلى أن النسبة الأعلى من السكان البالغة حالياً 19 مليوناً هم من الأطفال أو الشباب. وأنه في حال استمرار النمو السكاني على هذه الوتيرة فسيبلغ عدد سكان المملكة في عام 2030 أكثر من 40 مليون نسمة، وهو ما يعد انفجارًا سكانيًّا يشكل عقبة رئيسة في طريق التنمية.
إن كثيرا من المراقبين يؤكدون أن ثمة خللاً بائناً في ميزان العرض والطلب فاقم بدوره من مشكلة البطالة، كما أن عدم فاعلية المؤسسات الوطنية المتخصصة في استقطاب وتأهيل الكفاءات الراغبة في العمل، إضافة إلى الاعتماد على العمالة الوافدة في معظم الأعمال، سببان رئيسيان في المشكلة وتفاقمها، إلا أن كثيرين أيضاً لم يلتفتوا إلى الأسباب الجذرية للمشكلة، المتمثلة في عزوف الشباب عن العمل المهني والحرفي الذي تكاد تسيطر عليه العمالة الوافدة في أسواقنا ومصانعنا، خصوصا أن المؤسسات المعنية بالتدريب والتطوير المهني لم تأخذ طريقها الفاعل في المواكبة والإنجاز بعد، فليست مشكلة البطالة في العمالة الوافدة فقط كما يعتقد كثيرون، بل هي في الشباب نفسه فهو غير جاد، ومتردد وكذلك سريع التنقل من عمل إلى آخر، وهي كذلك في ضعف الجهات المعنية بالتدريب والتأهيل والتطوير، كما هي في رجال الأعمال غير الراغبين في توطين التوظيف والصابرين عليه تارة، وغير المحفزين للموظف السعودي بالتدريب والتأهيل والتطوير على رأس العمل تارة أخرى، إضافة إلى عدم قيام مؤسساتنا التعليمية والمجتمعية بمسؤولياتها الكاملة تجاه الدفع بموارد الوطن البشرية تجاه التخصصات ذات الطلب العالي في سوق العمل الحالية والمستقبلية، فضلاً عن الدور الإعلامي المنتظر منه أن يلعب دوراً كبيراً في هكذا مشكلة.
إنني أدعو وأؤكد بعد هذه السلسلة من الحديث حول البطالة وتوطين التوظيف ضرورة النظر إلى المشكلة من كل أطرافها وزواياها، وتقديم حزمة الحلول الآنفة الذكر في ضوء استراتيجية شاملة ومنهجية ثابتة تفصل في القول والجدل، وترتقي بالمواطن والوطن. فقد سبق أن تطرقت لضرورة وجود هيئة عليا مستقلة لإدارة وتنمية الموارد البشرية تهتم بالتوظيف في القطاع الخاص أسوة بوزارة الخدمة المدنية التي تهتم بالتوظيف في القطاعات الحكومية. تقوم هذه الهيئة بدور استراتيجي في التوظيف في القطاع الخاص والتأهيل المستمر بعزم وإرادة وخطة وطنية شاملة، ولنطلق استراتيجية 2020 للتوظيف كمحور انطلاق استراتيجي يكون خريطة طريق لمستقبل مشرق للسعودة.
إن ما تطرقت إليه هو جهد مبني على ما أراه وأعاينه وأتعايش معه، وكذلك من خلال ما يدور من حولنا، فإن أصبت فمن الله وله الحمد، وإن قصر عنه علمي ومعرفتي وحروفي فهذا جهد المجتهد والله الموفق. دمت عزيزي القارئ دام الوطن شامخا بسواعد وثروة أبنائه البشرية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي