التعاون الخليجي.. تحصين (الجبهة الداخلية)

■ مبادرة دول مجلس التعاون بتخصيص 20 مليار دولار لدعم التنمية في سلطنة عمان ومملكة البحرين نقلة جديدة للتعاون الخليجي ودفعة مهمة لاستقرار دول المجلس, وتؤكد أن ثروات المنطقة لشعوبها ومسار حكيم لتحصين الجبهة الداخلية.. وهذه الخطوة الكبيرة والجريئة في الظرف الذي تعيشه المنطقة تبعث رسالة طمأنينة إلى شعوب دول المجلس.. فهي تريد أن ترى أن التعاون الخليجي لديه القابلية لأن يقفز خطوات كبيرة للأمام.. بالذات عندما تدلهمّ الخطوب وتكون المنطقة في خطر.
هذه الخطوة جاءت بعد المبادرة، التي قادتها الكويت لإنهاء الخلاف العماني ــ الإماراتي, فقد كانت المبادرة وقبولها السريع من الدولتين وعودة العلاقات إلى طبيعتها. هذا التطور كان مفاجأة، حيث كان التخوف من أن تتأزم العلاقات بين البلدين ودخولها منعطفا خطيرا يفتح المجال لتهديد الأمن والتعاون الخليجي ويجر المنطقة إلى عودة مخجلة في التعاون والتقارب .. إلا أن العودة السريعة للعلاقات بين البلدين هي الأخرى جاءت بمثابة نقلة جديدة للتعاون ومؤشر على أن القيادات السياسية للمنطقة مستعدة للتضحية والتنازل عندما تكون المصلحة العليا لشعوب المنطقة.
ومسار التضحية ضروري أن يتعزز في العقود القادمة, فالتعاون يدخل مرحلة حاسمة الآن مع طفرة التحول السياسي في المنطقة, ومع ارتفاع حدة التنافس الدولي في ثروات المنطقة, وأيضا مع بروز مشاريع إقليمية لدول صاعدة مثل الهند وتركيا, وكذلك في ظل وجود دولة (عابثة) مثل إيران, التي يبدو أنها قررت مسار التخريب والتهديد لمصالح شعوب دول المجلس, وهذا مؤسف في حق دولة جارة بذلت دول المجلس الكثير للتقرب إليها في كل المجالات وتقدير ظروفها وعدم التدخل في شؤونها.
هذه النقلة تستدعي الدعوة لكل مسؤول خليجي أن يتخذ موقفا سياسيا إيجابيا داعما أكثر من قبل تجاه مسيرة التعاون وضرورة التسريع بمعطياتها .. وهنا ندعو موظفي الأجهزة الحكومية وقياداتها, فبأيديهم تسريع مشروع التكامل, والواجب الأدبي والأخلاقي وضرورات الأمن الاجتماعي والسياسي القصوى لتكثيف الجهود والعمل بروح (التفكير الإيجابي) الذي يدفع للتفكير في الحلول قبل توقع المشاكل .. هؤلاء المسؤولون بأيديهم تسريع مشروع التكامل, فالإرادة السياسية للقادة صريحة الآن أكثر مما مضى, وشعوب المنطقة تتطلع إلى اللحظة التاريخية التي تتجاوز فيها تحدياتها المشتركة.
ومن التحديات القادمة لدول المجلس العمل على إنجاز الأهداف والتطلعات لبرنامج التنمية الخليجي في مرحلته الأولى الموجه للبحرين وعُمان.. فالدولتان تستحقان الوقفة السياسية والاقتصادية, فهما تواجهان تراجعا وقلة في الموارد الطبيعية مع تحديات كبيرة للتنمية, فالبحرين لا تساعدها مواردها على القفز بمشاريع البنية الأساسية بالذات في الإسكان, لذا الدعم الخليجي الجديد والعاجل سوف يساعدها على المضي بالمشاريع التي أطلقتها لتنويع قاعدتها الاقتصادية لأجل إتاحة الفرصة للعمل والترقي الاجتماعي والاقتصادي لشعبها, كما سيساعدها على استعادة حيويتها في قطاع الخدمات المالية الذي كانت رائدة فيه.
كذلك عُمان أخذت في السنوات الماضية مسارات جريئة وكبيرة لتوسيع قاعدة مشاريع التنمية, وما أنجزته يستحق التقدير, خصوصا في بلد تشكل الجبال ثلث مساحته, وتحاصره الكثبان الرملية. والسلطنة مع الدعم الجديد من دول المجلس سوف تمضي بقوة لتحديث اقتصادها واستثمار إمكاناتها الطبيعية, فهي منطقة الاستثمار السياحي الخليجي الكبير الذي تنقصه المشاريع النوعية في البنية الأساسية.
إننا إزاء حقبة ضرورية لتعزيز الجبهة الداخلية، وهذا أكبر ضمان لاستقرار المنطقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي