الخطبة!
خطبة الجمعة مصدر مهم للتربية والتثقيف لعامة المصلين، خصوصا الذين لم ينالوا قسطا كافيا من التعليم، أو الذين توقفوا عند التعليم المتوسط أو حتى الجامعي، ممن ليست لهم اهتمامات بالثقافة الدينية. في الوقت نفسه فإن خطبة الجمعة تربط المواطنين بالواقع لطرح المشاكل اليومية التي يعيشونها. هكذا يجب أن تكون الخطبة. لكن ما يحدث في كثير من مساجد المملكة يختلف كليا مع هذا المفهوم. حتى إن بعض المصادر في وزارة الشؤون الإسلامية صرحت بأن هناك خطباء تورطوا في قضايا التطرف والإرهاب. وجاء في تصريحات هذه المصادر أنها ــــ أي الوزارة ـــ نصحت عددا كبيرا ممن ظهرت في خطبهم بوادر التطرف والتشدد بأن يعتدلوا ويبتعدوا عن هذا الطريق. وحتى نسد هذا الطريق.. لماذا لا تتوحد خطبة الجمعة لجميع مساجد المملكة، خصوصا أن من يقومون بإعداد هذه الخطب مختصون وعلى درجة من الكفاءة. في الوقت نفسه فهناك خطباء لا يرقون لمستوى هذا المكان الرفيع الذي كان يقف فيه ـــ رسول الله صلى الله عليه وسلم ـــ صحيح أن هناك خطباء على مستوى المسؤولية من الثقافة والوعي. ولكن ذلك لا ينفي أن هناك أعدادا كبيرة من الخطباء ليست لهم الثقافة ولا الكفاءة ولا حتى الجاذبية التي تجعلهم يؤثرون في المصلين. وتبدو الخطبة وكأنها نوع من تأدية الواجب.
وأنا مع رأي الدكتور عبد الله فدعق، الباحث والداعية، الذي يقول فيه إننا مع الأسف بدأنا نسمع خطبا فيها تأليب بعض الناس على بعض. وإنه لا بد من ضبط هذه العملية بتوحيد موضوع الخطبة، بل توحيد نصها، على الأقل في بعض المدن والقرى التي بها أئمة ضعاف، فالنص المكتوب للخطبة سيعطي هؤلاء فرصة على التدرب في إعداد الخطبة الصحيحة والمفيدة.
أعرف أن الأمر سيكون صعبا في البداية، خصوصا أن المملكة فيها 50 ألف إمام وخطيب.. ومع اتساع مساحة المملكة يبدو الموقف صعبا. مع ذلك لا بد من التعامل معه، حتى لا تفقد الخطبة قيمتها الدينية.
هناك من يقول إن جمهور المصلين يختلف من مكان لمكان. والمشاكل تختلف أيضا من مكان لمكان. وهذا الرأي يقول به الشيخ عازب آل مسبل رئيس لجنة الشعوب الإسلامية والقضائية وحقوق الإنسان في مجلس الشورى بالمملكة فهو يرى أن خطبة الجمعة رسالة شرعية واجتماعية للناس، تختلف باختلاف الجمهور الموجهة إليه.. فجمهور المدينة يختلف عن جمهور القرية ومشاكل ''جدة'' تختلف عن مشاكل ''الدمام''.
فالأخلاق والفضائل أمور متفق عليها من أقصى الأرض إلى أقصاها. أما المشاكل اليومية التي تبدو مختلفة من مكان لمكان فهناك أيضا اتفاق عليها. فأنا عندما أدعو إلى ترشيد الاستهلاك في الكهرباء أو المياه. فإن ذلك لا يختلف من ''جدة'' إلى ''الدمام''. وعندما أريد تعريف الناس بخطط التنمية في المملكة، فإن ذلك لا يختلف من ''جدة'' إلى ''الدمام'' أو من ''المدينة'' إلى ''الطائف''.. نحن نعيش في بلد تتشابه مشاكله. وقد تختلف في حجمها. وما يصلح هنا يصلح هناك. ويبقى كيف يصل هذا إلى الناس في خطبة الجمعة التي هي كما يقول الشيخ عازب آل مسبل رسالة شرعية واجتماعية للناس. ولكن كيف تصل هذه الرسالة إلى الناس من خلال خطبة الجمعة، إذا كان هناك خطباء لا يستطيعون توصيل هذه الرسالة يصبح من الضروري توحيد خطبة الجمعة حتى تتم فائدتها، والله من وراء القصد.