إسرائيل ومخاطر إفلاتها من التجريم والعقاب
أكتب هذه السطور ولبنان يدخل مرحلة خطيرة وكان الأولى أن نعالج تحولات الأزمة اللبنانية ولكني أكتفي في هذه العجالة بتحذيرين أعالج أحدهما وأخطرهما المتعلق بإسرائيل، وهو أن إسرائيل هي الفاعل الأصلي في اضطراب الساحة اللبنانية، والتحذير الآخر أن الخطاب الطائفي من جانب تيار المستقبل يمكن أن يهدد بحرب أهلية جديدة أشد فتكاً هذه المرة بين السنة والشيعة، مما يؤدى إلى اندلاع هذه النيران وامتداداتها في المنطقة العربية كلها. الخطر سببه دخول لبنان على خط المواجهة الساخنة في الصراع العربي الإسرائيلي. فإذا كانت إسرائيل مصرة على رسم خريطة المنطقة وترتيب الأوضاع عبر المؤامرات والدسائس والترتيبات والتحالفات، فإن امتهانها للقانون الدولي وجميع قواعده ووضع نفسها فوق هذا القانون هو ما شجعها على المضي في سلوكها خاصة إهدار مبدأ عدم الإفلات من العقاب، بما لذلك من آثار خطيرة في البيئة الدولية.
فمن المبادئ الأساسية في أي عدالة وطنية أو دولية أن يلقى كل مذنب جزاءه في محاكمة عادلة.
ولكن سلوك إسرائيل الساعي إلى الإفلات من التجريم والعقاب معا يهدد احترام هذا المبدأ ويجعل الإفلات من العقاب ممكناً، فإن ذلك السلوك الفظ المدعوم من الولايات المتحدة والمسكوت عنه عالمياً شجع إسرائيل على شيوع مبدأ أن القوة الخرقاء هي القانون، كما أحبط الساعين إلى عدالة جنائية دولية وما ترمز إليه المحكمة الجنائية الدولية التي تحولت خاصة في العالم العربي من حلم إلى كابوس.
والحق أن إسرائيل التي ولدت أصلاً خارج رحم القانون والعدالة الدوليين لا تجد شذوذاً في سلوكها ما دام الأصل عاريا من أي شرعية، ولذلك فإن السعي إلى نزع الشرعية عنها هو سعى إلى إزاحة ما ألبسه المجتمع الدولي بنفاق كباره لإسرائيل من غلالة الشرعية القانونية. وكان يفترض أن سلوك إسرائيل يجب أن يكون قانونيا حتى يعوض انعدام الشرعية في نشأتها لولا أن المشروع الصهيوني نفسه لا يقوم ولا يستمر إلا خارج دائرة القانون، ومن المهم أن نحاكم هذا المشروع بالأطر القانونية المعروفة في القانون الدولي.
في محرقة غزة التي تتجاوز بكثير محرقة اليهود في ألمانيا كان الهدف هو معاقبة السكان المرتبطين بالمقاومة مع استمرار الخطر فكان تقرير جولدستون هو أول محاولة لتجريم سلوك إسرائيل وإن ظل عقابها مرهوناً بالموقف الأمريكي الناقم على التقرير وصاحبه، ولكن الضحايا وأسرهم لا يزالون يعانون كابوس المحرقة والتهديد بتكرارها واستمرار الحصار.
في جريمة أسطول الحرية الذي كان يحاول كسر هذا الحصار من خلال نشطاء مدنيين فرضت إسرائيل كلمتها وأجرت لجنة تيركل الإسرائيلية التحقيق والتي دعمتها واشنطن، وبرأت إسرائيل بالطبع رغم أن من مبادئ الشرعية القانونية أن المتهم لا يجوز أن يصنع لنفسه دليلا لبراءته.
نلاحظ أن إسرائيل لم يتم تجريمها في جريمة أسطول الحرية في تحقيق مماثل لجولدستون مما فتح الباب للزعم بأن الحصار وقتل النشطاء يتسق مع الدفاع عن النفس ومع القانون الدولي، كما أن إسرائيل تلح على أنها تعمل في إطار القانون الدولي، وهو ما رفضته محكمة العدل الدولية في قرارها عام 2004 بشأن الجدار العازل، ولكنْ لإسرائيل قانون دولي خاص بها.