الطلاق أوله كلام .. قواعد الحوار الأسري الناجح

<a href="mailto:[email protected]">hsaleh_sa@yahoo.com</a>

الزواج هو العلاقة الأقدم في حياة الإنسان, ولعل البعض يرى أن الزواج هو صراط هذه الدنيا فإما النجاح والعبور إلى السعادة وإما السقوط في الطلاق حيث الفشل والتعاسة. ليس هناك مجتمع إلا وهو مثقل بمشكلة الطلاق وتبعاته الاقتصادية والاجتماعية. ففي الولايات المتحدة هناك أكثر من مليوني حالة طلاق في السنة الواحدة, بل هناك اعتقاد بأن 50 في المائة من حالات الزواج تنتهي إلى طلاق. وفي فرنسا لا تختلف الصورة كثيرا, فنسبة الطلاق بين الفرنسيين تتجاوز 32 في المائة من حالات الزواج. وقد يظن البعض أن شدة كراهية الطلاق في الإسلام وطبيعة شعوبنا المحافظة كفيلتان بحصانة مجتمعاتنا من تسرب هذه الظاهرة إليه, ولكن الأرقام تخبرنا بغير ما نتمناه. فالإحصاءات تشير إلى أننا لا نختلف عن غيرنا كثيرا, فنسبة الطلاق عندنا تصل إلى 30 في المائة وهذا الحال مستمر منذ سنوات عديدة, بل إن هناك 33 امرأة تطلق يوميا.
يرى الكثير من المختصين في شؤون الأسرة أن أغلب حالات الطلاق من الممكن تفاديها لأن أكثر من نصف الأسباب المؤدية إلى الطلاق لها علاقة مباشرة بطريقة حوار المرء مع زوجه. صحيح أن هناك أسباب مستجدة في هذه الأيام باتت تشكل خطورة شديدة على علاقة الزوجة بزوجها وإن نفت المغنية نانسي عجرم مسؤوليتها عن ازدياد الطلاق في مجتمعنا العربي, ولكن تبقى العلاقة الزوجية من أمتن العلاقات بشرط أن نجيد لغة الحوار بيننا كأزواج.
لقد أدرك الإنسان بفطرته أن الزواج ارتباط نفسي بالدرجة الأولى وأن السعادة والشقاء تعبير نسبي لما يعتلج في النفس من حالات. والآية الكريمة, رقم 21, من سورة الروم "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون". هذا الزخم النفسي الذي تعطيه الآية الكريمة لموضوع الزواج, من أنفسكم, لتسكنوا, مودة ورحمة, هو تأكيد ما يتمتع به الزواج من بعد نفسي وتواصل عاطفي, ولا يعني هذا أن الزواج بناء عاطفي فقط ولكنه أحد الجوانب المهمة في البيئة الإنسانية التي تقوم بها ثلاثة عناصر, الأول الفكر وقاعدته الذكاء الفكري من منطقية وموضوعية وحساب العواقب. والعنصر الثاني هو الشعور وقاعدته الذكاء العاطفي وهو العنصر الأهم في الزواج. أما العنصر الثالث فهو العمل وقاعدته الخبرة العملية بأبعادها النفسية والزمانية والمكانية. وإذا كان النجاح في الزواج يقتضي أن نجيد الاتصال العاطفي بالطرف الآخر بما يعني الاتصال من قدرة على إيجاد حضور إيجابي لنا عند ذلك الآخر فإن الأداة الفاعلة للاتصال هو التأسيس لبيئة الحوار الجيد. والتأسيس المقصود هنا هو الذهاب بعيدا في داخل النفس لإعادة تشكيل بعض القناعات فيما يخص الحوار وما يرتبط بعلاقة الرجل بالمرأة ومن ثم بناء جملة من المبادرات التي تتكفل بتشكيل الواقع الخارجي.
إذا كان الخلاف بين الناس في أمور كثيرة مرده اختلاف قناعاتهم فإن عدم تفعيل الحوار في الأسرة يرجع إلى ثقافة أسرية لا تمتلك من القناعات ما يشكل لنا البيئة المناسبة للحوار:
1- الحوار وعاطفية المرأة: من دون أن نشغل أنفسنا بالبحث عن خصوصية كل من المرأة والرجل, فإن العاطفة لغة تجيدها المرأة أكثر من الرجل, وبالتالي يكون الحوار مطلبا مبررا للمرأة وعلى الرجل أن يلتفت إلى هذا في بناء علاقته بالمرأة. وإذا كانت العاطفة تعني مقدار تفاعل الإنسان مع الحدث الذي يعيشه, فهذا يعني أن المرأة أكثر انفعالا, وبالتالي يكون الحوار الأداة لتلطيف هذا الانفعال وتفريغ شحنته, وعندها تعود نفسية المرأة إلى الحالة الطبيعية من التوازن. ولعل عدم التفات الرجل إلى هذه الحقيقة هو الذي يدفع بالرجل إلى توجيه الاتهام للمرأة بأنها رومانسية ومولعة بالثرثرة أو أنها كائن حسي أكثر مما هو عقلي.
2- الحوار ومعرفة الآخر: الإنسان بطبيعته وبالأخص عندما يريد أن يعبر عن حاجاته يستعير لغة الرمز والإشارة وخلط الأمور وينتظر من الطرف الآخر أن يفهم كل ذلك فيتحسس ذلك الآخر بمشاعره وأحاسيسه. وعلاقة المرأة بالرجل تتشكل في الكثير من جوانبها في إطار هذا المفهوم, وبالتالي يصبح الحوار ضروريا لأن لغة الإشارة والرمز والتشكي من أمور أخرى عندما لا تفهم فإنها باب للدخول في مشاكل أخرى قد يتجاوز حجمها وعواقبها المشكلة الأصلية. فالمطلوب من الرجل أن يحسن الاستماع إلى المرأة ليعطي نفسه الفرصة لمعرفة ما بعد الشكوى وعندها قد نكتشف أن الحل هو في كلمة تأخذ شكل وردة نهديها لها أو لمسة تعيد لها الدفء وتشعرها بالأمان وبعدها قد نتذكر أو لا نتذكر المشكلة الأصلية لأن في الأصل هي غير موجودة وما كان إلا مجرد تراكم لرسائل غير مقروءة.
3- للحوار أشكال متعددة: المحاور الجيد هو الذي يجيد توظيف عدة أشكال من الحوار, فالكلمة الرقيقة تزداد رقة عندما تصحبها نظرة حانية ولمسة دافئة. وحتى الحوار الذي يتطلب توجيه نوع من اللوم أو النقد إلى المرأة فإنه يكون أكثر إيجابية عندما يفرش في طريقه كلمات حب ولمسات حانية. كلما أجاد الرجل أشكالا متعددة من الحوار كانت علاقته بالمرأة أكثر قربا وبالتالي أكثر حبا.
4- الحوار في الاختلاف والاتفاق: قد يظن البعض أن وظيفة الحوار هي فقط لتجاوز الخلاف وننسى جانبا مهما وهو وظيفته في تعميق الاتصال بين الطرفين. ومن أجل أن نجيد الحوار في حالة الخلاف علينا أن نمارس الحوار حتى في الحالات غير الخلافية. ربما لا يوجد هناك خلاف بين الرجل وزوجته في شراء حاجة معينة للمنزل ولكن طرح الموضوع للنقاش هو ممارسة للحوار بين الطرفين, وفي ظل هذه الأجواء الهادئة تتاح الفرصة للطرفين لتعميق تجربتهما في الحوار.
أما متطلبات الحوار فهي:
1- تجنب الحوار في حالة الانفعال: يقال إن الإنسان المنفعل قد يفقد جزءا من إدراكه الواقع, وبالتالي ربما لا يرى ولا يسمع ولا يحس. فهو ربما لا يدرك ما يقوله ولا يسمع ما يقال له. بل قد تصل الحالة إلى أنه يسمع إلى ما لا يقال له وبالتالي تكون هناك ردود فعل لأشياء لم تقل بتاتا على الرغم من أن الإنسان المنفعل قد يقسم بأنه قد سمع هذه الأشياء, وبالتالي ربما تتأزم الأمور أكثر بين الطرفين. علينا أن نتجنب الحوار عندما نشعر بأن الطرف الآخر بات أكثر انفعالا مما هو مطلوب.
2- الأخذ بالانفعال الإيجابي أثناء الحوار: المقصود بالانفعال الإيجابي هو إبداء درجة منضبطة من الانفعال تحسس الطرف الآخر بتفاعله بما يحس وما يشعر به. فعندما تشعر المرأة بأنها أهينت بفعل ما أو نتيجة كلمة قيلت فالمطلوب من الرجل إبداء نوع من الانفعال الكلامي والحركي الذي يؤكد عدم قبوله أي شيء فيه إهانة لها, وبالتالي ستشعر المرأة باطمئنان أكثر, وعندها يكون الحوار إيجابيا وموضوعيا.
3- الحذر من جعل الطرف الآخر في موقف دفاعي: عندما يجد الإنسان نفسه في موقف دفاعي فإنه ينشغل ذهنيا بالدفاع عن مواقفه وبالتالي ربما لا يسمع ما يطرحه الطرف الآخر من كلام ما قد يلاقي قبولا عنده. وهناك كلمات وعبارات وإشارات قد تثير حالة الدفاع عند الزوجة, فتكرار كلمة أنت في عبارة سلبية, أو الإصرار على طلب اعترافها بالخطأ, أو الإلحاح عليها بالاعتذار عن كلمة قيلت في ظروف خاصة كلها مدعاة لجعلها تنبري للدفاع عن نفسها وعدم الاعتراف بخطئها وهذا قد ينهي بالحوار إلى طريق مسدود أو حتى إمكانية الدخول في مشاكل جديدة من خلال الاستعانة بمواقف في الماضي لتقوية موقف كل من الطرفين.
4- الحرص على الوصول إلى نتيجة: في الكثير من الأحيان ينتهي الحوار من دون تحقيق نتائج معينة, وبالتالي يشعر المتحاورون بعدم جدواه, وتكرار هذا الأمر قد يغير موقف الإنسان من الحوار نفسه. في الحوار فرصة يجب أن يوظفها الطرفان لتأسيس حالة جديدة في العلاقة بينهما من خلال تجاوز موضوع الخلاف بينهما وما يترتب على هذا التجاوز من مفاهمات أخرى.
5- أن يكون لنا حساب جار نسحب منه أثناء الحوار: يجب على الرجل أن يؤسس له حسابا مشرفا من المواقف في علاقته بزوجته, فالرجل الذي دائما يتذكر عيد ميلاد زوجته أو أي مناسبة عزيزة عليها ويحرص على تبادل الهدايا فيها سيكون من الصعب على الزوجة اتهامه بعدم تقديرها أو التحسس لمشاعرها. وهو بدوره يستطيع أن يوظف هذه المواقف لتأكيد الكثير من القضايا التي تعزز حالة الحوار بينهما.
هذه القواعد بحقائقها ومتطلباتها إن أخذنا بها نستطيع أن نخرج بثقافة فاعلة وممارسة جيدة للحوار, وتبقى للتجربة فعلها في تأصيل هذه المكونات في علاقتنا الزوجية وبما يخدم الأسرة ككيان اجتماعي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي