أحزان تشرين العربية: من وعد بلفور إلى تقسيم فلسطين
في تشرين الثاني (نوفمبر) مناسبتان ومحطتان من محطات المشروع الصهيونى، المحطة الأولى هي الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر)، وهى ذكرى وعد بلفور نسبة إلى اللورد بلفور وزير خارجية بريطانيا عام 1917 خلال الحرب العالمية الأولى، وكان الوعد هو أول تعهد رسمي من جانب الحكومة البريطانية بأنها تعترف بأن لليهود الحق في وطن قومي لهم في فلسطين، وهو ما ينطوي على الاعتراف بالحق التاريخي لليهود. وتعهد بالعمل على تجسيد هذا الحق على الأرض، وهو ما نفذته بريطانيا عندما أقرت نظام الانتداب في مؤتمر السلام في فرساي، وتولت رعاية هذا المشروع حتى استوى على سوقه بقيام إسرائيل. وقد لوحظ أن وعد بلفور وقرار التقسيم لم يدعيا الحق على كل فلسطين، لكنهما اهتما بتأكيد حق اليهود التاريخي فيها حيث تبقى للقوة دورها في توسيع رقعة المنطقة التي خصصت لليهود في أرض فلسطين. وبالفعل، فإن وعد بلفور أشار لأول مرة إلى نزول المشروع الصهيوني بعد انطلاقه رسميا في نسخته الأصلية بهدف قيام دولة يهودية بأقل من عقدين من الزمان. كما يلاحظ على بلفور والتقسيم أن الأول الذي يتحدث عن وطن قومي لليهود في فلسطين لم يحدد أين يقع هذا الوطن، فاكتفى بإرساء المبدأ، حيث تكفل قرار التقسيم ببيان حدود هذا الوطن وخرائطه داخل فلسطين في حدود 56 في المائة تقريبا. ولما كان المشروع الصهيوني يتحرك على الأرض وفق معطيات الواقع، فقد احتفل اليهود بهذه النقلة الهائلة خلال 30 عاما بين 1917 – 1947، وهى تجسيد المبدأ في خريطة محددة وقرار دولي أحيط بالقدسية والاحترام، حيث أصبح القرار 181 هو أساس الشرعية الدولية في فلسطين، وحيث صور مقاومة العرب لنهب فلسطين على أنها تحدٍ لهذه الشرعية الدولية. ثم تطورت الشرعية الدولية من 1947 حتى 2010 لتعني الاعتراف بكل فلسطين ملكا لليهود تحت عنوان يهودية الدولة، والإصرار الإسرائيلي على أن يعترف الجانب الفلسطيني بهذه الصفة إذا أرادوا أن تستمر المفاوضات معهم لمجرد استمرارها بصرف النظر عن مضمونها.
في الذكرى الثالثة والستين لقرار التقسيم والذكرى الثالثة والتسعين لوعد بلفور، نقرأ مشهدا فلسطينيا يتراجع بشدة أمام تقدم المشروع، ولا يملك الفلسطينيون إزاءه إلا خيارات عباس السبعة التي ترتد في النهاية إلى واشنطن، التي لا تريد أن يكون مسعاها خصما من علاقاتها مع إسرائيل وفق صيغة "سلام للجميع" دون تضحيات من أحد، يدخل به أوباما تاريخ المنطقة، لكن المشكلة الحقيقية هي سفور المشروع في مواجهة الجميع فاضطر الجميع إلى التفكير في بدايات جديدة بعد أن أصبح العالم كله عاجزا أو ساكنا على المزيد من التهاب فلسطين والتآمر على الأقصى في صراع محموم بين قادة إسرائيل للوصول إلى إسرائيل 2020، وعندها الحياة لإسرائيل والفناء لغيرها، وهذا نمط السلام الذي تريد، والذي تسعى إلى فرضه على الآخرين وفق المنطق الصهيوني الذي يدعى بالحق التاريخي والإلهي في فلسطين.
وهكذا يتقدم المشروع منذ محطته الأولى تحت شعار الحقوق المشروعة لليهود دون غيرهم في فلسطين، حتى صار قرار التقسيم وتحقيقه حلما بالنسبة للعرب، لكن الزمن تجاوز القرار وأصبح السؤال في هذه الذكرى: فلسطين لمن؟