الصبر على البلايا
الصبر من الدين بمنزلة الرأس من الجسد، وشأنه عظيم وعاقبته طيبة من الكريم، وقد جعله الله سبحانه وتعالى من صفات المؤمنين وأهل اليقين، وحثهم عليهم في كتابه الكريم فقال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين" وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون".
وقد شاء الله الحكيم الخبير أن يجعل الصبر هو المحك ليكشف معادن الرجال ويمحّص إيمان المؤمنين، فقال تعالى: "ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم".
فالصبر من عناصر الرجولة الناضجة، فإن أثقال الحياة لا يقوى عليها المهازيل وأنصاف الرجال، ومن أجل هذا كان نصيب القادة العظماء من العناء والبلاء مكافئا لما أوتوا من صفات الرجولة وبلاء المعارك وتوجيه الناس إلى خالقهم وتجنيبهم الويلات والنكبات ومواطن العطب، ولما أدوا من أعمال عظيمة، ولهذا لما سئل رسول الله: أي الناس أشد بلاء؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة" اللهم ارحم حالنا.
والمتعرض لآلام الحياة وخسارتها يدافعها وتدافعه، هو أرفع عند الله تعالى درجات من المنهزم القابع بعيدا لا يخشى شيئا ولا يخشاه.
والصبر يعتمد على حقيقتين أساسيتين:
أما الأولى فتتعلق بطبيعة الحياة الدنيا، حيث إن الله تعالى لم يجعلها دار جزاء وقرار، وإنما دار تمحيص وامتحان وابتلاء، وقد يمتحن الإنسان بالشيء وضده، كأن يكون الامتحان بالغنى والصحة والنعمة الكثيرة، كما يكون بالفقر والأمراض وغيرها، ولهذا كان سليمان عليه السلام يقول كما حكى الله عنه في قوله تبارك وتعالى: "هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم".
وعلى هذا فما دامت الحياة امتحانا كلها سواء بالسراء أو الضراء بالكسب والخسارة فما علينا إلا أن نكرس جهودنا للنجاح في هذا الاختبار لنكون إن شاء الله تعالى من السعداء، ونتضرع إلى الله تعالى أن يوفقنا إلى ذلك وأن يثبتنا عليه، إنه جواد كريم.
وأما الحقيقة الأخرى فتتعلق بطبيعة الإيمان والذي هو صلة بين الإنسان وربه عز وجل، ولا بد من خضوع هذه الصلة الإيمانية للابتلاء لتمحيصها ومعرفة صدقها من كذبها، وإن كان علم الله محيطا بظواهر الأمور كلها وبواطنها كما قال الله عز وجل: "قد أحاط بكل شيء علما"، ولكن لحكمة الله وعدله شاء أن يكون حساب الإنسان على عمله الشخصي الذي يثبت للشخص ولغيره صدقه من كذبه، نسأل الله تعالى أن يعاملنا بلطفه لا بعدله، فقال الله تعالى: "ألم. أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون. ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين".
والمؤمن الصادق يصبر على النوازل التي تصيبه في نفسه أو ماله أو أهله فتلك أعراض وآفات يجب أن تكون متوقعة من كل مؤمن، لأن الحياة لا تخلو منها، فما على الإنسان إلا أن يحتمي ويستغيث بالله ويلجأ إليه، وأن يتذكر دوما ما في الصبر على ذلك من الأجر والثواب وتكفير السيئات ورفع الدرجات وراحة القلب والرضا والتسليم فما أصابك لم يكن ليخطئك وإياك والحسرة على ما فات، قال الله تعالى في كتابه العزيز: "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص في الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين. الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون".
الله وفقنا للتأدب بآداب القرآن.