مؤسسة النقد وأبناوها المدللون!
بعد أسابيع قليلة ستعلن البنوك عن قوائمها المالية للربع الأول من هذا العام، ومن المتوقع أن نلاحظ نمواً في الأرباح قد يكون قياسياً للغالبية العظمى منها، كما أن هذا النمو لا يزال مستمراً منذ سنوات عدة، وهو أمر يعتبر دلالة أكبر على القدرة المالية التي يتمتع بها الاقتصاد السعودي، منها نجاح إدارات هذه البنوك، ولكنه أيضاً يضع الكثير من علامات الاستفهام أمام الطريقة التي تعمل بها هذه البنوك وسياسة الشيك المفتوح التي تنتهجها مؤسسة النقد معها.
لقد لاحظنا في السنوات الماضية التي اتسمت بتحقيق أرباح كبيرة جداً للبنوك، أن مستوى الخدمات البنكية التي تقدم للغالبية العظمى من عملاء هذه البنوك في تدهور مستمر، إلا أن هذا التدهور قد يكون أكثر تسارعاً لدى بعضها عن البعض الآخر.
إن الأمثلة على هذا التدني في تقديم الخدمات تفوق عدد البنوك الـ 11 بمرات عدة، فأول دليل على هذا التدني هو عدم اكتراث البنوك بتوفير مواقف لسيارات عملائها، وبالتالي تتسبب بالضرر عليهم وعلى من يجاور بنكهم، وبعد الدخول إلى صالة البنك يفاجأ العميل بأن عليه الانتظار ساعات من أجل إجراء عملية لا تستغرق إلا دقائق قليلة، ثم يجد العميل نفسه مجبراً على دفع رسوم للكثير من هذه العمليات البنكية، أما ما تفرضه البنوك من فوائد بنكية على القروض التي تقدمها لصغار عملائها والطريقة التي تحسب بها هذه الفوائد والكيفية التي تحصّلها بها فهي لا تتماشى مع أي من الأعراف البنكية العالمية، فهي تفوق بنسبتها ما هو معمول به عالميا، كما أنها تُؤخذ على كامل المبلغ المُقترض وتخصم مقدماً من المبلغ المُقرض، كل هذا يجري تحت مرأى ومسمع ومباركة المسؤولين في مؤسسة النقد.
إن النمو في أرباح هذه البنوك لم يواكبه نمو مماثل في توظيف الشباب والشابات، مع أن بإمكان أي شخص أن يشاهد القصور الحاد في عدد الموظفين لدى هذه البنوك، كما أن الغالبية من هؤلاء الموظفين يتذمرون باستمرار من الضغط المتزايد عليهم جراء الزيادة الكبيرة في حجم العمل، حتى أن الكثير منهم لا ينتهي عمله إلا بعد ساعات من انتهاء وقت الدوام الرسمي.
إن التدهور الحاصل في الخدمات البنكية قد تعدى إضاعة الوقت والمال إلى التهاون في أموال الناس ومنعهم من التصرف فيها شهورا طويلة، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها ما يحصل عندما يقوم الناس بالشراء بواسطة نقاط البيع، ففي بعض الحالات يفاجأ المشتري بأن المبلغ قد حسم من حسابه مرتين، مع أن إحدى هذه العمليات كانت ملغاة.
إن التهاون هذا ما كان ليحصل لو أن هناك مراقبة جادة وعقوبات صارمة من قبل الهيئة على البنوك تُجبرها على تسخير إمكاناتها للمحافظة على أموال الناس التي استؤمنوا عليها.
إن المواطن يفاجأ عندما يشتكي لمؤسسة النقد في مثل هذه القضايا أن المؤسسة تفيده بأن علية الانتظار لشهر على الأقل لكي تبت في طلبه. إن ما تقوم به الهيئة من مراقبة للأعمال البنكية لا يتعدى كونه توثيقاً وتأصيلاً لهذه الممارسات الخاطئة، وحتى إذا ثبت لدى الهيئة أن البنك قد أخطأ في حق أي من المواطنين فإن عقابها للمخطئ لا يتعدى توبيخ الأم لابنها المدلل.
إن مثل هذا الرد من المؤسسة هو بمثابة تشجيع للبنوك على الاستمرار في تصرفاتها المضرة بمصالح المواطنين، كيف لا والهيئة نفسها تقف سدا منيعا يحمي هذه البنوك من العديد من المحاولات لفتح بنوك محلية تنافسها.