القضية أكبر من «البلاك بيري» .. إنها أمن المعلومات!

عندما برزت قضية ''البلاك بيري'' قبل شهرين وما أحاط بها من قضايا, هناك مَن رأى أن دولة الإمارات التي أثارت بقوة موضوع أمن المعلومات مع شركة ريثيم الكندية، هدفها التدخل في خصوصيات الناس وممارسة هيمنة الدولة على تدفق المعلومات، حتى أمريكا, وعبر وزيرة خارجيتها, انتقدت الموقف الإماراتي, وأمريكا هي أول من فرض على ''البلاك بيري'' ضرورة فتح قواعد المعلومات.
والموقف الخليجي الذي تبلور بعد مبادرة الإمارات, قُدِّم في الصحافة الخليجية - وبكل أسف - ومن كُتّاب خليجيين على أنه خطوة ضد حرية المعلومات، وهناك مَن لمَّح ولم يصرّح بأن ذلك نابع من طبيعة (الدولة الدكتاتورية)، التي ليس لها هم إلا مطاردة مواطنيها والتضييق عليهم، وهؤلاء لم يأخذوا في الاعتبار طبيعة الظروف التي تواجهها دول الخليج من حرب على الإرهاب ومن مقاومة لعصابات الجريمة والمخدرات.
كلنا نعرف أن دول الخليج مستهدفة في أمنها الاجتماعي، ومستهدفة في أمنها الاقتصادي والتجاري, دول الخليج لا تقود عمليات تجسس كبرى ضد مواطنيها والقضية الكبرى التي تهمها هي (أمن المعلومات) ذات المساس بالأمن الوطني والمصلحة العليا للدولة والمجتمع .. هذا ما يهمنا، إنه الأمن الوطني بكل مكوناته، وهو ما تفعله الدول الكبرى.
في بعض الدول الأوروبية هناك تعليمات صارمة لموظفي الحكومة الكبار وحتى لموظفي الشركات بعدم تداول أية معلومات تخص العمل على ''البلاك بيري''، وهناك مَن يذهب لاتخاذ عقوبات صارمة ضد المخالفين.
لماذا هذا الإجراء؟ الهدف هو حماية مصالح الدولة ومصالح الشركات .. والعالم اليوم يعيش حربا اقتصادية باردة، وتزدهر الآن عمليات التجسس ومكافحة التجسس الاقتصادي، والقوى الدولية الكبرى تمر بمرحلة سباق لأجل تثبيت مواقعها التنافسية الاقتصادية والتجارية، والأزمات العالمية المتتالية تضع قواعد جديدة للصراع والتنافس وتؤسس لبيئة دولية جديدة فيها تبدل لمراكز القوى، وفيها تصورات وأفكار في مرحلة التشكل والنمو .. كل ذلك يطرح بقوة أهمية تبني (أمن المعلومات) كقضية وطنية أساسية لدى دول الخليج.
الثورة الجديدة في صناعة المعلومات وتطبيقاتها القادمة وظهور مركزية دولية لتجميع المعلومات وتصنيفها وتحليلها وإعادة توزيعها لا بد أن تحمل معها آليات حديثة وربما خطيرة، فالجوالات التي في جيوبنا والحواسيب التي في بيوتنا أو مكاتبنا كلها في متناول الاختراق والاستحواذ على ما فيها من بيانات ومعلومات، وأمام هذه النقلة يُفترض أن ندعو الحكومات إلى ضرورة التحرك العاجل لإيجاد الأنظمة والآليات التي تحمي أمننا الوطني.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي