كيف نحكم على المفاوضات المباشرة؟ مع إسرائيل
المشكلة الأساسية في الصراع العربي الإسرائيلي هي أن إسرائيل تتصرف برؤية واضحة لما تريده ونحن لا نرى سوى تطبيقات هذه الرؤية على الأرض، ثم نتوه في تفسيرات إسرائيلية وروايات أمريكية. ولذلك تفرض إسرائيل علينا ما يشغلنا، واليوم تحدد الموضوع وهو الانتقال من المفاوضات غير المباشرة إلى المفاوضات المباشرة. المفاوضات عادة أسلوب معروف لتسوية المنازعات بين الدول، ولكن المشكلة دائماً لا تكمن في الوسيلة وإنما في موضوع المفاوضات وقدرات أطراف التفاوض وأوراق التأثير التي يملكها كل طرف. طلبت إسرائيل منذ شهور المفاوضات غير المباشرة، ورغم أن أحداً لم يفهم معناها وأطرافها وموضوعها، إلا أنه تمت الموافقة عليها لمجرد إرضاء واشنطن بذريعة ألا يقال إن العرب يعيقون التسوية، ثم بدأت واشنطن تلح بناء على رغبة إسرائيل على تحول المفاوضات غير المباشرة إلى مفاوضات مباشرة، رغم أن الإجماع الذي يشمل واشنطن منعقد على أن المفاوضات غير المباشرة فصل مبهم، بل إن البعض طالب بتحقيق تقدم في المفاوضات غير المباشرة، حتى يبرر ذلك الانتقال إلى المفاوضات المباشرة. فالمفاوضات غير المباشرة والمباشرة طلب إسرائيلي ـ أمريكي ولمجرد أنها طلب منهما، فقد تحرج العرب في رفضها، ولذلك طالب الرئيس مبارك واشنطن وإسرائيل بأن تهيئا المناخ المناسب للمفاوضات المباشرة، وهي في ظني عبارة مهذبة للتأكيد على أنه لا يوجد ما يبرر مثل هذه المفاوضات. ومن الطبيعي أن رئيس السلطة قد رفض هذه المفاوضات المباشرة لكل الأسباب التي دفعت العرب إلى رفضها، وما كان يمكن للرئيس مبارك أن يوافق عليها بينما رئيس السلطة يرفضها. المعلوم أنه طلب من مصر الضغط أو إقناع أبو مازن لبدء المفاوضات المباشرة، ولكن من الواضح أن كليهما مستحيل. السبب في ذلك أن إسرائيل طرحت رؤيتها للحل دون أن تقدم واشنطن أي تصور أو مشروع أو وعود أو ضمانات، وقد طلب عمرو موسى في هذا السياق ضمانات مكتوبة بأن المفاوضات المباشرة ستعالج قضايا الوضع النهائي.
والحق أن هذه المفاوضات يراد لها أن تكون نهائية وأن تصادق على رؤية إسرائيل للحل والتي تناثرت في تصريحات وتصرفات الجانب الإسرائيلي ممثلاً في بيريز، ونتانياهو، ووزير الخارجية، والدفاع، والكنيست، الذي يوشك أن ينتهي من إقرار قانون المواطنة في الدولة اليهودية لتصفية عرب 1948. ورفض المفاوضات المباشرة أو تأييدها يجب أن يتم بناء على معايير عدة، أهمها هو حساب حصيلة المفاوضات غير المباشرة، وهي مسألة وهمية، والثاني هو أن رؤية إسرائيل للتسوية لم تترك شيئاً للتفاوض لأنها قسمت الأراضي الفلسطينية إلى ثلاثة أقسام، غزة ويجب التخلص منها بإلقاء مسؤوليتها على مصر، والقدس كلها لإسرائيل، أما الضفة فمعظمها لإسرائيل والفتات الباقي لدولة فلسطينية مؤقتة وبمواصفات مضحكة. هكذا يأمل التصور الإسرائيلي المدعوم أمريكياً بأن يفتح الباب لتصديق أبو مازن واعتراف العرب جميعاً بإسرائيل بعد أن زالت القضية طوال العقود السابقة، ولا مانع من ازدهار التعاون. ولهذا السبب تلح إسرائيل وتستعجل المفاوضات المباشرة حتى تنتهي المسألة باتفاق رسمي. وإذا كانت واشنطن توافق على التصور والمآل فأي ضمانات يطلبها العرب من واشنطن إذا كانت واشنطن نفسها مع إسرائيل تلحان على فرض هذا التصور في نهاية المطاف؟