هل تتحالف الصين وإيران في إطار استراتيجية مشتركة؟
تشن الولايات المتحدة وإسرائيل حملات متلاحقة على إيران بسبب عدم امتثالها لرغبة واشنطن وتل أبيب في إيقاف نشاطها النووي. وتقف الصين كجدار يقي إيران تأثير الهجمات، فهي تفسد الحصار الاقتصادي وترفض تبني موقف الولايات المتحدة. ويسبب هذا الموقف ضيقا شديدا لإسرائيل، التي تفتح مع الصين جسرا هائلا للتعاون في مجال تصدير الأسلحة والتقنية، وتريد احتكار السوق الصينية، ثم السيطرة على الإرادة السياسية الصينية، تحسبا لضعف أمريكي قادم وصعود صيني محتمل. ورغم قلة ما كُتب عن العلاقات الصينية ـ الإيرانية، إلا أن هذه العلاقات لها تأثيرات كبيرة في منطقة الشرق الأوسط وغرب آسيا وشرقها. وربما لا يعرف البعض أن التواصل الصيني ـ الإيراني قديم للغاية منذ أيام طريق الحرير، لكن الشراكة الحديثة بدأت عام 1970 في عهد شاه إيران السابق محمد رضا بهلوي. وأدى الصراع الصيني ـ السوفياتي في الستينيات مع خوف الشاه من التمدد الروسي في بلاده إلى تقارب بين طهران وبكين.
وينبغي ألا ننسى أن نسمات الماضي لعبت دورها، فكلاهما كان له إمبراطورية شاسعة، وكلاهما عانى عدوا واحدا هو الغرب, وبالتحديد إنجلترا وروسيا, ففي الفترة من 1858 إلى 1860 استولت روسيا على أجزاء كبيرة من سيبيريا الصينية، أما في خلال القرن الـ18 فقد تدخل الغرب ليصنع حدود إيران والصين.
وإذا كان طريق الحرير في الماضي صيغة صينية للتبادل التجاري، فإن علاقاتها مع إيران اليوم هي طريق حرير جديد يحمل لها الطاقة كما نقل الحرير من قبل. ولذلك كان لا بد من دخول صيني ليحمي ظهر إيران من أمريكا, وبذلك تضمن الصين, وهي ثاني مستورد للطاقة في العالم بعد الولايات المتحدة, تدفق احتياجاتها من النفط.
تتبع الصين استراتيجية تنبع من مصالحها، وهي استراتيجية تطويق خصومها, ومنها الهند والولايات المتحدة. ونظرا إلى تفوق الولايات المتحدة العسكري وسيطرتها على الممرات البحرية وقوتها البحرية الهائلة، فقد توصل الصينيون إلى أن أملهم في فك الحصار الأمريكي يكمن في التحالف مع إيران، والمنطق وراء ذلك أن للولايات المتحدة نفوذا هائلا غربي الخليج, ما جعل سيطرتها على الخليج أمرا مسلما به. من هنا لا مجال للصين لتقيم قواعد في غرب الخليج ولم يبق لها إلا الشرق لإقرار توازن مع واشنطن. وعندما تشجع الصين إيران على المضي قدما في مشاريعها النووية، فهي تمارس ضغطا رهيبا على واشنطن لتفسح لها مجالا في بحور الطاقة، وتحول دون ممارسة واشنطن حروب نفط على خصومها. ويصر الصينيون على أن غزو العراق كان مخططا أمريكيا للاستيلاء على الطاقة في بلد غني بالنفط لتكمل حلقة السيطرة، ولذلك فإن أي حديث عن إرهاب أو ديمقراطية أو أي شيء آخر لا مجال له من الصحة. ونظرا إلى أن بكين تتوقع حربا أمريكية ضدها بسبب تايوان، فهي تعد العدة بوجودها مع إيران لإحباط أي خطط أمريكية لخنق الصين نفطيا, ومن هنا كانت منظمة شنغهاي للتعاون مع روسيا وإيران لمواجهة محاولات السيطرة الأمريكـية.
في أثناء الحرب الإيرانية ـ العراقية وقفت الصين وكوريا الشمالية في صف إيران وزودتاها بما لا يقل عن 70 في المائة من الأسلحة، كما رفضت الصين توقيع عقوبات على إيران «لأن العقوبات تضخم المشكلات». ولعلنا نذكر الصاروخ الصيني الذي استخدمته إيران في إغراق ناقلة أمريكية وردت أمريكا بضرب منصة إيرانية لإنتاج النفط، ثم ردت إيران بإغراق فرقاطة أمريكية. ورغم قبول إيران قرار 598 بوقف إطلاق النار في تموز (يوليو) سنة 1988، إلا أنها لم تنس للصين وقفتها التي استمرت حتى الآن.
أما فيما يتعلق بالملف النووي، فقد أبدت الصين وجهة نظرها في أن إبقاء الشرق الأوسط خاليا من الأسلحة النووية يتطلب تخلص إسرائيل من مفاعل ديمونة وإعادة القنابل التي أهدتها لها واشنطن وفرنسا. ونظرا إلى رفض إسرائيل هذا الطلب عملا بسياسة الغموض النووي، فقد فكرت الصين في مصالحها ووازنت بين ما تحصل عليه من إسرائيل (أسلحة وتكنولوجيا محولة أمريكيا) وبين مصالحها الاستراتيجية. واكتشفت أن وجود قوة نووية باكستانية غير كافية لكبح الهند وردعها، فرأت تشجيع إيران لدعم الغرب الهندي نوويا. وتقف الصين وراء رفض العقوبات التي تمررها أمريكا من خلال مجلس الأمن. ووقعت الصين عقودا قيمتها 40 مليار دولار لتكرير النفط الإيراني، وأصبحت قبل الاتحاد الأوروبي الشريك النفطي الأول لإيران وبلغت التجارة الثنائية بين الصين وإيران 36.5 مليار دولار سنة 2009, بينما لم تتجاوز تجارة إيران مع كل دول الاتحاد الأوروبي 35 مليار دولار.
وهناك أسباب أخرى تدفع الصين إلى الوقوف بجانب إيران، على رأسها تشييد طريق حرير جديد يتمثل في طريق للطاقة يربط الخليج وبحر قزوين ووسط آسيا بالصين. وهنا تحتاج الصين إلى إحكام إنشاء خطوط الأنابيب, خاصة خط أنابيب إيران ـ باكستان وإيران ـ تركمانستان, وهو الذي سيصنع ممرا أرضيا يربط بين إيران والصين لتجنب المرور بمضيق ملقة الذي تسيطر عليه بحرية الولايات المتحدة. ويلاحظ أن الصين تراقب وترصد كل النقاط الحاكمة التي سيطرت عليها الولايات المتحدة في غفلة أو في إخفاق من أصحاب الأرض. كما أن تركمانستان أعلنت أنها ستصدر غازا للصين عبر خط أنابيب جديد. ومن هنا نلاحظ أن الصين تحاول السيطرة البرية والبحرية على مجالها الحيوي الذي تلعب إيران دورا مهما فيه، فهي تشيد الآن خطا بحريا تطلق عليه اسم خيط أو عُقد اللآلئ، حيث تمثل كل لؤلؤة محطة مهمة للصين تؤهلها للوصول إلى الموانئ والمطارات وتزيد حضورها الدبلوماسي وتطور قواتها المسلحة بحيث تدافع عن هذه المحطات التي تمتد من ساحل الصين عبر بحر الصين الجنوبي ومضيق ملقة إلى المحيط الهندي إلى بحر العرب والخليج. وبعض هذه المحطات أو القواعد هي جزيرة هينان وجزيرة وودي بالقرب من فيتنام وميناء شحن في شيتاجونج في بنجلادش وميناء غاطس في بورما (ميانمار) وقاعدة عسكرية في جوادار في باكستان وخط أنابيب عبر إسلام أباد في إقليم سينكيانج, إلى جانب تسهيلات استخباراتية على جزر في خليج البنجال وميناء هامبانتوتا في سريلانكا.
وتشعر الهند بضيق شديد من هذا الحصار الصيني، وتعلن أن كل جهود الصين في هذا المجال تستهدف تحجيم الهند، وهي لذلك حريصة على استقطاب قوة مهمة غرب الهند, خاصة بعد توقيع معاهدة دفاع مع كمبوديا ودعم علاقاتها العسكرية مع بورما.
ونواصل في المقال التالي أبعاد العلاقات المتطورة بين إيران والصين واستفادة الطرفين منها.