لا تمنع عنك الضياء

قد يكون تكديس الأشياء هو أكثر ما يشغل بال الناس في هذا القرن ، فرغم أن القرون الماضية شهدت انشغالا مماثلا بالأشياء لكن القرن الحالي يتميز بالعدد الهائل من المقتنيات بسبب ما وفرته الثورة الصناعية من اطراد متسارع في الأجهزة الكهربائية و الاتصالات ووسائل المواصلات. و المشكلة ليست في امتلاك تلك الأجهزة و لكن تحول الاستهلاك إلى فلسفة حياة يؤدي إلى تقويض عملية السعي وراء معان في الحياة أكثر سموا .
لقد أدت الحضارة الصناعية إلى امتلاء النفس بمشاعر العبث و الخواء الروحي ، حيث أصبح الفرد فيها يسعى لسلوك درب أكثر سهولة ، عبر اللجوء إلى الاستهلاك كعلاج سريع للمشكلات عن طريق تجديد المشاعر بالبهجة المؤقتة و الهروب إلى شراء سلع جديدة. كثيرون منا يقتنون أشياء تفوق حاجتهم ، و تفتقر نزعتنا المادية إلى العمق ، فنحن نبحث عن الإثارة طوال الوقت و ننفق النقود ، و إن ارتباط فردية الإنسان و قيمته الذاتية ارتباطا وثيقا بالمقتنيات يجعله كالمحموم يسعى لاقتناء المزيد من الأشياء. و مع استمرار إدمان التكديس فستحجب أكوام الأشياء المتراكمة الضياء إلى درجة تمنع نور الحياة من التسلل إلى إلى داخل الروح .
إن الثقافة الاستهلاكية هي ثقافة العزلة العميقة ، لأنها تشجعنا على الارتباط أكثر بالأشياء عن العلاقات ، ولا يمكن لامتلاك الأشياء الجامدة أن يشعرنا بالاكتفاء الكامل لأنها عاجزة عن ملء الخواء النفسي ، حيث يتضارب الإفراط في الارتباط بالأشياء مع التفاني المطلوب من أجل علاقات حميمة و روح غنية بالمعاني. وبقدر ما نحن في حاجة إلى الانفصال نسبيا عن الأشياء بغية إثراء الروح، فإن أي انفصال عن الأشخاص الذين تربطنا بهم علاقات حميمة يسلب هذه الروح ثراءها .
إن المعركة التي نخوضها لكسب النفس يجب ألا نعتمد فيها على الأشياء بل يجب أن ننتصر فيها عبر التخلص من الأشياء ، فالسعادة يجري قياسها عن طريق عملية الطرح و ليس في خانة الجمع ، لأن حب الله يعني إفراغ المنزل الداخلي حتى يتمكن الضياء من التسلل إليه .

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي