هل يمكن قطع دابر آفة المخدرات؟
يقول رئيس البنك الدولي سابقا جيمس ولفنسوهن JAMES WOLFENSOHN إنه في 11 أيلول (سبتمبر) من عام 2001، أتضح للعالم أخيرا أنه ليس هناك عالمين غني وفقير بل هناك عالم واحد فقط .. عالم مرتبط بالمال والتجارة، الهجرة، الاتصالات، البيئة، الأوبئة، الجريمة، الإرهاب، والمخدرات ويضيف قائلا.. إن الفقر في أي مكان يعني الفقر في كل مكان (A TIME TO ACT, THE WORLD BANK , SEPTEMBER 29, 2002) وأضيف إلى ما قاله ولفنسوهن بالقول: وفي عالم اليوم الذي يموج بكثير من المتغيرات والقفزات المتلاحقة ويتحرك بحيوية عالية .. فإن الناس يتحدثون بصوت عال ويؤكدون أكثر وأكثر أن المخدرات في أي مكان في العالم يعني المخدرات في كل مكان.. فليس هناك بلد في عالمنا المعاصر لا يواجه آفة المخدرات والمؤثرات العقلية التى يصل حجم الاتجار العالمي بها إلى نحو (800) مليار دولار سنوياً.. وهي بذلك تحتل المرتبة الثالثة في العالم بعد تجارة السلاح والدواء .. والغريب أن هذه الآفة بالذات هي الوحيدة، التي رغم تكاتف جهود دول العالم كافة للتصدي لها وقطع دابرها إلا أن النجاحات التي تحققت حتى الآن لا تزال محدودة.. فالعمليات الأمنية كثيرة التي أدت إلى إحباط تهريب المخدرات في دول العالم .. إلا أن ما يقلق هنا التساؤل عن حجم المحاولات التي نجحت مقابل تلك التي أحبطت أمنياً.. فلا نظن أن بالإمكان إحباط المحاولات جميعها على مستوى العالم كافة، وهذا هو الهدف الذي نعتقد أن المكافحة في العالم تتطلع إليه، وصولاً إلى عالم خالٍ من المخدرات والمؤثرات العقلية تماما.
وهنا لا بد من التنويه بما حققته المملكة بحمد الله من نتائج في مجال مكافحة المخدرات.. فالمملكة وضمن الإنجاز الحضاري الإنسانى وضعت أولوية عالية لحربها ضد المخدرات. ومجتمعنا السعودي لم يزل نظيفا أو يكاد ويعود ذلك إلى منهج المملكة القويم المستمد من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام.. وللجهود الجبارة التي تبذلها الدولة الرشيدة لحماية ووقاية المجتمع من آفة العصر وكل ما يدهم سكينة مجتمعنا وطمأنينته ومسارنا المجتمعي النظيف فعلى الرغم من أنها لم تصل عندنا إلى حد الظاهرة المستفحلة إلا أن المملكة استشعرت مخاطر هذا الداء وأسرعت إلى وضع البرامج المبنية على رؤية واضحة واستراتيجية والمرتكزة على منطلقات من أهمها برامج: الوقاية والتوعية والعلاج والتأهيل والعقاب والتي تؤثر بمجملها في خفض الطلب على المخدرات والعرض لها. وهنا لا بد من الإشادة بجهود اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات والتي كان منها تنظيمها أخيرا أول دورة متخصصة في المعالجات الإعلامية لقضايا المخدرات للإعلاميات بإشراف مديرة البرامج النسائية بأمانة اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات والمشرفة على الدورة الأميرة موضي بنت عبد الله آل سعود.. وكذلك جهود المديرية العامة لمكافحة المخدرات التي أصدرت هذا الأسبوع خطتها في المجال الوقائي والتأهيلي لعام 1431 – 2010، التي تتمثل أهدافها الرئيسة في تعزيز القيم الاجتماعية لرفض قبول تعاطي المخدرات، وترسيخ الانتماء الديني والوطني، وتكوين وعي اجتماعي صحي وثقافي بأضرار آفة المخدرات. كما أن العمليات الأمنية التي أعلنتها وزارة الداخلية والتي أدت إلى إحباط تهريب كميات كبيرة من المخدرات تعتبر إنجازا بكل المقاييس وتؤكد النجاح الهائل للأجهزة الأمنية التي تصل ليلها بنهارها لتحقيق الأمن والطمأنينة في بلدنا الغالي في التصدي لهذا الضرر المحدق في سبيل حماية البلاد والعباد.
ويبقى القول إن جهود المكافحة التي هدفها حماية المواطن، التي تستحق الثناء الجم في حاجة إلى أن يكون المواطن شريكاً بشكل أكبر وأوسع في جهودها من أجله وإلى مساندة اجتماعية واسعة من شرائح المجتمع ومن المؤسسات التي لها تأثير في المجتمع، ومنها المسجد، والأسرة، والمدرسة، والمؤسسة الرياضية، ومؤسسة العمل، وغيرها، التي يفترض أن تشكل أحزمة رديفة وأصدقاء داعمين ومشاركين لجهود المكافحة الجبارة.. وهذا يحتاج إلى مزيد من التواصل في العلاقة العضوية بين الأداء الأمني والاستقبال الاجتماعي. كما أننا في حاجة إلى أن نرى (ساهر) المخدرات بعد (ساهر) المرور .. حيث إن جهود الاهتمام بتطوير العمل المروري وتحقيق السلامة المرورية كانت ملموسة بعد تطبيق برنامج (ساهر)، الذي يهدف إلى صيانة الأنفس وحقن الدماء وحفظ الأموال.. وظاهرة المخدرات هي في اعتقادي أخطر من ظاهرة الحوادث المرورية لأن خطرها يتجاوز إلى المجتمع ليضرب في جذوره وأعماقه حيث يصيب تلوث المخدرات الجميع وبالخصوص النشء.. وفى الوقت نفسه ندرك تماما أن خط الدفاع الأول ضد هذه الآفة الأسرة وذلك بتحقيق الرفاه والتماسك والتواصل الاجتماعي ومراقبة الأبناء بدقة متناهية وبالخصوص في سن المراهقة.