تجار المقالات .. لمن يكتبون؟!

يلفت نظرك حين تتصفح المطبوعات العربية من المحيط إلى الخليج، كثرة تكرار أسماء كتاب عرب تجدهم أينما ترتحل حاسري الرؤوس واضحي الصورة، خاصة في الصحافة الخليجية المعنية بست دول، يكتبون لكل بلد منها ما يوافق هواها!
أسماء يصعب حصرها، هويتها عربية وهواها يختلط بالبحر الأبيض المتوسط وفق انتشار بات مملا حتى أن أحدهم تكاد تحصيه خلال أسبوع واحد بأكثر من أيام الأسبوع نفسه، ناهيك عن أنه ورغم عدم خليجيته بات يكتب حتى في مجلات الشعر الشعبي الخليجي!
نحن لا ننكر على أحد توجهه، لكن أن يكون ذلك وفق انتشار كتابي ممل يجعلك تقطع بأن المقابل المادي يصنع الرأي ويحرر الكتابة، وفق طريقة سمجة قل نظيرها.
يحدث هذا بشكل مغاير عما نلحظه لكبار الكتاب في أوروبا وأمريكا، من حيث إن الكاتب يكتب في مطبوعته الرئيسية وعبرها يتم تسويق المقال نفسه لمطبوعات أخرى ترغب في حضوره المقالي لديها، واسألوا فرديمان وغيره من الكتاب.
لكن بعيدا عن أعراض هذا الإسهال الكتابي .. الذي بدأت تتسع وقائعه في محيطنا الإعلامي العربي .. فمن غير اللائق أن نمتهن تجارة الكتابة بهذه الطريقة وبما يجعل استغلال عقلية القارئ أمراً لافتاً سواء من قبل المطبوعة التي تبحث عن الاسم دون النظر في الخصوصية والتميز، أو من قبل الكتاب الذي أدمنوا الانتشار المدفوع الثمن بحجة أنهم استطاعوا أن يصنعوا لأنفسهم حضوراً كتابياً مقنعاً خلال زمن مضى.
وعليه فرفقاً بالقارئ العربي من تناقض الطرح والبضائع السهل تداولها، لأن الكتابة بمفهومها العام تفريغ إيجابي الهدف منه إظهار فكرة أو معلومة إلى الواقع المتاح، ناهيك عن أنها أولاً وأخيراً نوع من إزاحة الهموم عن عقل الكاتب وفكره، ونثره على الورقة أو على شاشة الحاسوب ليتقاسم هذا الهم مع المجتمع الذي سيوجه إليه هذه الكلمات، لذا فالكاتب ينقل للمجتمع ما يدور في وجدانه أو ما هو ذو أهمية لهم. وفي المقابل فإن الكاتب الحصيف يدرك أن ما ينثره من كلمات لأجل قراءتها هو معني به وبما يضمن توخي الفائدة منه لأنه سيعنيهم، بل يتداخل أحياناً مع توجهاتهم .. إيصال الفكرة أوجد أنواعا كثيرة من الكتاب، فهناك من يكتب لأن هناك شأنا لا بد من توضيحه، وهو يملك الأدوات الكتابية القادرة على فعل ذلك، ولديه القدرة على الطرح الجيد، بل والسهولة في إيصال المعلومة.
وآخر بات يمارس الكتابة لأجل إظهار ما في داخله أو من أجل تفريغ .. أو لتجاوز حالة إحباط .. أو حنق، ولا يهمه أن أقنع أو لم يقنع!!.
وهناك من يكتب لأجل الكتابة، فقط لتكون سبيلاً للحضور من أجل الانتشار، وهناك من تجاوز الانتشار وبات معنيا بالمقابل، والأكيد أن لا أحد يدفع بقدر ما تدفع المطبوعات الخليجية، وكله بثمنه.
لذا فالكتابة الصحافية باتت قريبة من التخلي عن دورها كوسيلة للتربية والارتقاء بفكر المجتمعات وتنويرها، لتكون وسيلة تكسب مستمر، والرزق يحب الخفية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي