مؤسسات لتوفير المساكن بالمشاركة

حدثتكم في المقال السابق عن عجز كثير من الحكومات عن توفير المساكن للمواطنين بأسلوب بناء المشاريع السكنية، وأن الحل الأمثل لمعالجة مشاكل الإسكان ينطلق ببساطة من توفير مجموعة متكاملة من البرامج والقنوات التي تمكن المواطنين من الحصول على المسكن الملائم بأنفسهم، وأنه كلما ارتفعت نسبة مشاركة الأسر المستفيدة ومساهمتها في توفير المساكن، وكلما رشدت نفقات توفيرها؛ تحقق النجاح لبرامج التمكين. وتطرقت بشكل سريع إلى أحد البرامج المناسبة لتمكين الأسر المستفيدة في المناطق الريفية والنائية أو في الأحياء المتدهورة من المشاركة في بناء مساكنهم، أو حتى بنائها بالكامل بمقدرتهم الذاتية بمواد وتقنيات سهلة الاستخدام، وذكرت أن نجاح برنامج توفير المساكن بمشاركة الأسر المستفيدة يتحقق من خلال إنشاء مؤسسات راعية تتولى تقديم الدعم المالي والخدمات الاستشارية والتدريبية للأسر المستفيدة، ولا يمكن من دون جهودها الإدارية والاجتماعية والهندسية والفنية تحقيق أي نجاح. ولعل كثير من المهتمين بالموضوع يتساءلون: ما المؤسسات الراعية؟ وما دورها؟ وكيف يمكن إنشاؤها؟ ومم تتكون؟ وغيرها من التساؤلات. ويسرني أن أوضح أنها مؤسسات متخصصة تقوم على تدريب السكان لإنشاء مساكنهم بأنفسهم أو المشاركة في إنشائها، بعد تمكينهم من الحصول على الأرض، وتوفير مواد بناء بتقنيات سهلة الاستخدام.
وأرى أنه يتعين لظهور المؤسسات الراعية أن تتولى الهيئة العامة للإسكان صياغة الأطر التنظيمية لقيامها، وتوفير البرامج الإدارية والتدريبية لها، وتشجيع إنشائها بتخصيص الدعم المالي اللازم لتأسيسها، وأن تتعاون مع الجامعات لإعداد اشتراطات الكوادر البشرية والخبرات التي يلزم توافرها في هذه المؤسسات، إضافة إلى توفير البرامج الإدارية لها ولأنشطتها، وتطوير البرامج التدريبية للعاملين فيها (من اجتماعيين ومعماريين وإداريين)، وإعداد أدلة واضحة ومبسطة لتمكين المستفيدين من المشاركة في توفير مساكنهم كلياً أو جزئياً، بشرط أن تتصف الأدلة - المكتوبة منها أو المرئية أو السمعية - بالمرونة، لتمكين المستفيدين من المشاركة في اتخاذ القرارات، وأعمال تخطيط المشروع وتصميم المساكن، وتنفيذ الأعمال الإنشائية لها. ويتعين أيضاً توفير مجموعة كاملة من النماذج والاستمارات الإدارية والفنية الواضحة والمبسطة، التي تسهل على المستفيدين والعاملين الاتصال بالجهات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص ذات العلاقة، والتواصل مع المتبرعين، والاتصال بالمتطوعين.
ويتعين لتشجيع أسلوب مشاركة المستفيدين تحويل بعض أنشطة مؤسسات الإسكان الخيري (مثل: مؤسسة الملك عبد الله بن عبد العزيز لوالديه للإسكان التنموي، وجمعية الأمير سلمان للإسكان الخيري، وغيرهما) إلى هذا التوجه، والدفع بجمعيات البر والجمعيات الخيرية الأخرى إلى إدخاله ضمن أنشطتها الخيرية، إضافة إلى إنشاء جمعيات أو مؤسسات متخصصة. ويتعين لضمان نجاح هذه المؤسسات واستمرارها أن تجعل الهيئة العامة للإسكان هذا التوجه على قائمة اهتماماتها، وأن توجه جزءاً من ميزانيتها لدعم تكوين المؤسسات الراعية في مختلف مناطق المملكة، وحثها على جمع التبرعات ليست المالية فقط ولكن العينية أيضاً (مثل: الأراضي، ومواد البناء، والمعدات) وتوفير القنوات المنظمة لجمعها، وتحديد ضوابط صرفها وتوظيفها، والعمل كذلك على تشجيع الأعمال التطوعية وتنظيمها للمتخصصين من المعماريين والمهندسين والاجتماعيين، والعمال والحرفيين، والشباب والطلاب الراغبين في التطوع بوقتهم وجهدهم ابتغاء الأجر، خصوصاً في أشهر الإجازة الصيفية، ودعم برامج استقطاب الشباب وتنظيم جهودهم للمشاركة في توفير المساكن للأسر الفقيرة ضمن أنشطة المراكز الصيفية وبرامج الأنشطة الكشفية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي