البكتيريا .. سيدة العوالم الخفية
جعل الله لحواسنا قدرات محدودة بحيث لا تستوعب إلا الأمور الظاهرة ما دفع العلماء إلى افتراض وجود عوالم تتداخل مع عالمنا وتعيش معنا دون أن نراها، ولكننا نلاحظ أثرها فمثلا عين الإنسان لها مدى رؤية معين (الطول الموجي المرئي) وبذلك لا يمكنها رؤية الأشعة الأقل منه (الأشعة تحت الحمراء) أو الأعلى (الأشعة فوق البنفسجية).
وحدوث بعض الأمور التي لا تفسير لها دفع العلماء إلى إيجاد وسائل تساعدهم على اكتشاف ما حولهم، فمثلا نحن نشعر ونشاهد أثر الميكروبات على صحتنا وسلامة ما حولنا من نبات وحيوان ولم نتمكن من رؤية هذه المخلوقات (البكتيريا والفيروسات) إلا بعد اختراع المجهر البسيط بواسطة العالم (لوفنهوك) وتوصل العالم (أراسكا) إلى المجهر الالكتروني، أما الأحدث فهو المجهر الرباعي ومخترعه العالم المصري (أحمد زويل) وفريقه بجامعة كالتاك في الولايات المتحدة الأمريكية وقد حصل على براءة اختراع، ورغم أن آلافاً بل ملايين البكتيريا تعيش في أجسامنا وترتبط دائما في عقول الناس بأنها مسببة للمرض ومنهم العالم الألماني روبرت كوخ الذي أسهم في اكتشاف علاقة البكتيريا بالمرض وعمل أول مزارع نقية للبكتيريا. ومع تقدم العلم تبين أن لهذه المخلوقات دوراً مفيداً يوازي أو يفوق ضررها سواء داخل أجسامنا أو في الصناعات الغذائية والدوائية وحتى في إنتاج الطاقة، وأخيرا اكتشف العلماء في معهد سكريبس في كاليفورنيا أنزيم الكوكايين استريس ( CocE) الذي تنتجه أحد أنواع البكتيريا وتعرف باسم Double mutant bacteriaحيث يقوم بتفكيك الكوكايين ويقلل تسببه في الإدمان وكذلك تقليل نسب الوفاة بالجرعات الزائدة وقاموا بتدريب فئران التجارب على أخذ جرعة الكوكايين من خلال الضغط على زر في قفصها وتبين أن الفئران التي عولجت بالبكتيريا ضغطت على الزر مرات أقل مما يدل على تفكيك الكوكايين وتقليل الإدمان.
أما الفريق الآخر من العلماء (في جامعة ديوك) فقد اكتشفوا أن الزائدة الدودية التي حيرت العلماء لسنين طويلة و يظن الأغلبية العظمى من الناس أنه لا فائدة منها ولا أحد يمانع من استئصالها، أنها تلعب دورا مهما في إنتاج وحفظ مجموعة من البكتيريا المفيدة للمعدة. فعندما نصاب بالإسهال الشديد أو الكوليرا التي تؤدي إلى إخراج البكتيريا المفيدة، تقوم الزائدة الدودية بإعادة إنتاج وحفظ البكتيريا وتقول الدراسة إن دورها كان مهما في الفترة البدائية حيث كان الناس يعيشون في مجموعات صغيرة معزولين عن بعضهم. أما اليوم فقد قلت أهميتها حيث يمكن أن يلتقط البكتيريا من الأشخاص المحيطين به، ولكن هذا لا يعني عدم إزالتها عند التهابها حيث يموت من 300 إلى 400 شخص في الولايات المتحدة بسببها سنويا، لذلك يجب ألا نعتبرها زائدة في أجسامنا حيث تلعب دورا مهما في المناعة، قال تعالى: (وكل شيء خلقناه بقدر). كما أدى تطوير فحص جديد (آبي تيست) للدلالة على وجود التهاب في الزائدة، إضافة إلى فحص كريات الدم البيضاء إلى تقليل مئات من العمليات الجراحية غير الضرورية والتي كانت تعمل في السابق لمجرد الاشتباه في وجود التهاب للزائدة خوفا من انفجارها.
وفي عام 1982م ظهر في الأسواق الأنسولين البشري الصناعي كأول دواء منتج عن طريق استخدام التقنية الحيوية للبكتيريا وذلك بأخذ جزء من المورث البشري المسؤول عن صناعة الأنسولين وزراعته في بكتيريا Ecoli البكتيريا النافعة التي تعيش في أمعاء الإنسان وتمتاز بخاصية تكاثر المورث داخلها ومن ثم إنتاج كميات وفيرة من الأنسولين.
والحديث عن البكتيريا شيق ولو استرسلنا في الحديث عنها لملأنا مئات الصفحات، لذلك سوف أختم حديثي عن هذه المخلوقات العجيبة باكتشاف رائع سيحدث ثورة في مكافحة الارهاب، نجح فريق من الباحثين في جامعة برلين في تطوير سلالة من البكتريا تتمثل موهبتها في التهام المتفجرات، وتعمل هذه البكتريا على تحليل مادتي TNT و TNDالمتفجرتين من خلال تحطيم النيتروجين المركب الموجود في جزيء المادتين، ويتحول النيتروجين الناتج إلى مخصب طبيعي للتربة، وسيؤدي هذا النوع من البكتريا إلى إزالة 70 في المائة من بقايا مواد المتفجرات الملوثة للتربة وتعتمد هذه الطريقة على جمع البكتيريا من الأماكن التي توجد فيها مصانع الأسلحة أو مستودعات الذخيرة أو التربة المتضررة من إنتاج الأسلحة والأنشطة العسكرية الأخرى، ثم تنميتها وتغذيتها على أغذية تحتوي على المواد المتفجرة لتحللها ثم عزل الجينات المسؤولة عن تحليل المواد المتفجرة ونقلها إلى كائنات دقيقة يمكنها المعيشة في الأماكن الموبوءة بالتلوث العسكري .