تصريح صحفي مهم

قرأت في إحدى الصحف تصريح أحد المسؤولين عن وضع حجر أساس لأحد المشاريع التي ستسهم في توفير 100 ألف فرصة عمل، وقرأت تصريحا آخر لمسؤول آخر عن مشروع سيسهم في إيجاد حل لإحدى المشكلات الرئيسية في مدينة جدة، مشيراً إلى أن مدة إنجاز المشروع ستستغرق عامين، وقرأت تصريحا ثالثا لأحد المسؤولين الذين كانوا يتحدثون في مؤتمر صحفي لبعض وسائل الإعلام عن توقيع اتفاقية مع إحدى الجهات، مؤكداً أن هذه الاتفاقية ستسهم في تطوير الخدمات المقدمة في أحد القطاعات الحكومية لتوازي مثيلاتها في أمريكا وأوروبا. وهكذا تتوالى التصريحات الصحفية والإعلامية يوماً بعد يوم، بل لا تكاد تفتح صحيفة يومية إلا وتجد تصريحاً لأحد المسؤولين عن خدمة ما أو منتج ما أو موعد زمني لإنهاء مشروع ما أو غيرها من الوعود التي تحلق بالناس في الأفق وتجعلهم يعيشون حلماً جميلاً يتمنون أن يروه على أرض الواقع، بل إن بعض التصريحات الصحفية يكاد يكون نسخة مكررة من تصريحات قديمة قد مضى عليها عشرات السنين وتبقى الوعود كما هي، وما يتغير هم مَن يستقبلون هذه الوعود، فهي إما أن تكون لأجيال جديدة وإما أن تكون للأجيال نفسها ولكن بعد أن فقدوا الأمل وعرفوا أن كل ذلك وهم.
وفي لقائي بأحد المسؤولين ذكرت له كيف ستتمكنون من تحقيق ذلك الرقم المعلن فأجابني وهو يضحك ومَن قال لك إننا سنحقق ذلك الرقم، إنه تصريح صحفي، والإعلام اليوم يحتاج إلى تصريح، فنحن نقدم له ما يحتاج.. أما مضمون التصريح وهل هو صحيح أم لا أو أنه حقيقي، فهذا لا يهم، فلا أحد سيسألك بعد التصريح، ولا أحد سيتابعك ويتأكد مما صرحت به، فمَن يقوم بالتصريح لا يحاسب وأكثر ما يمكن أن يتم هو تعليق أو مقال ثم ينتهي التصريح وينسى كما نسي غيره من التصريحات.
واليوم ومع ما نشهده من حملة واضحة ضد الفساد انطلقت من جدة، فإن علينا أن نعيد النظر فيما نقرأه من تصريحات صحفية هزيلة لا تكاد تجد لها مكاناً من المصداقية، بل أصبحت مجرد كلمات من دون معنى، فكثير منها لا ينطبق على أرض الواقع، ومن الضروري أن تتحرك المؤسسات الصحفية لتواكب هذه الحملة ضد الفساد وتطلق حملة مماثلة ضد التصريحات الصحفية سواء من القطاع العام أو القطاع الخاص بالذات التي كثيراً ما تكون من العوامل المساندة للفساد حينما تكون تصريحات وهمية لا مراجعة ولا محاسبة لصاحبها، فكم أتمنى أن تتبنى هذه المؤسسات متابعة ومحاسبة المسؤولين على تصريحاتهم وألا يُقبل من مسؤول أي تصريح إلا بعد أن يُسأل ماذا فعل في التصريح السابق وهل أنجز منه شيئا؟
إن مثل هذه الإجراءات قد تسهم في إعادة المصداقية للتصريحات الصحفية من المسؤولين، كما تسهم في وجود التزام من قبل كل مسؤول يرغب في أن يتصدر في الوسائل الإعلامية بتصريحاته بأنه سوف يُسأل ويُحاسب ويُتابع في كل كلمة سيقولها، كما أن مثل هذه الإجراءات ستسهم في إعادة الهيبة لما يتم نشره في الصحف والذي لا يكاد يصدق أو يعتد به، بل أصبح من الكلام الدارج في التشكيك في مصداقية أي حديث أن يُطلق عليه أنه (كلام جرايد).
إن ما نشاهده اليوم من قبض وإيقاف لموظفين وقياديين ومديرين متهمين بالفساد من مكاتبهم وتخفيض لرتب بعض المسؤولين في أجهزة حكومية وغيرها من الإجراءات المكافحة للفساد هو أمر كان الجميع ينتظره منذ زمن، ونتمنى أن يتواصل، وأن يصبح إجراءً من الإجراءات الأساسية في كل دائرة حكومية حتى يعلم الموظف، مهما كانت وظيفته، أنه سيُسأل، ليس فقط عمّا يقوم به، بل يجب أن يشمل ما يصرح به.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي