هل حسمت "جاكسون هول" خفض الفائدة!
تعد ندوة جاكسون هول الاقتصادية التي ينظمها بنك الاحتياطي الفيدرالي حدثا اقتصاديا بالغ الأهمية للأسواق والمستثمرين على حد سواء، فهي مؤتمر دولي سنوي يستمر 3 أيام ويستضيفه بنك الاحتياطي الفيدرالي في كانساس سيتي في "جاكسون هول" بالولايات المتحدة، حيث يتوافد الحضور من جميع أنحاء العالم لمشاركة وجهات نظرهم وآرائهم نحو الاقتصاد، وحتى 2025، حضر الندوة أو شارك فيها ممثلون من 70 دولة، وما يزيد من أهمية الندوة لهذا العام كونها الندوة الأخيرة التي سيشارك بها السيد جيروم باول رئيس الفيدرالي الأمريكي قبل نهاية ولايته في مايو المقبل.
خلال يوم الجمعة الماضية ومن "جاكسون هول" أكد جيروم باول أن الباب سيبقى مفتوحا أمام تعديل الفائدة وفقًا لتطور البيانات الاقتصادية، وأنه برغم تراجع التضخم من ذروته لكنه لا يزال مرتفعًا نسبيًا ويتطلب الحذر، وأن سوق العمل تظهر إشارات تباطؤ، كما أكد أن سعر الفائدة الحالي بات أقرب إلى المستوى الحيادي مقارنة بالعام الماضي، لكنه ما زال عند مستويات تقييدية، ما قد يستدعي مزيدا من التعديلات دون الالتزام بمسار محدد مسبقًا.
ورغم تباين حديث باول، فإن الأسواق رفعت رهاناتها على خفض الفائدة في سبتمبر بنحو ربع نقطة أساس إلى 89%، في حين تراجعت احتمالات الإبقاء على الفائدة دون تغيير إلى 10.8% فقط، هذا التحول أظهر قناعة المستثمرين بأن الفيدرالي بات أقرب إلى تخفيف سياسته النقدية مع تباطؤ سوق العمل وتراجع التضخم.
بعد تصريحات "باول" عادت وول ستريت للاحتفال وتفاعلت المؤشرات الأمريكية بقوة حيث قفز مؤشر داو جونز الصناعي 846 نقطة، أو 1.9%، مسجلاً أعلى مستوى له على الإطلاق، وهو أول إغلاق قياسي له هذا العام، كما ارتفع مؤشر ناسداك المركب 1.9%، بينما ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 1.5%.
من جهة أخرى ورغم تفاؤل الأسواق نحو خفض الفائدة فإن هناك بعض المؤشرات المهمة التي جاءت أكبر من التوقعات، والتي يعد ارتفاعها إشارة إيجابية على قوة الاقتصاد الأمريكي واستمرار زخم التعافي رغم التحديات، ما قد يتيح للاحتياطي الفيدرالي مساحة أكبر للإبقاء على سياسته النقدية المشددة لفترة أطول، بهدف السيطرة على التضخم دون التسبب في ركود، ومن هذه المؤشرات، مؤشر مديري المشتريات في القطاع "التصنيعي" حيث أظهرت البيانات ارتفاعه إلى 53.3 نقطة، وهو ما جاء أعلى بكثير من توقعات الأسواق التي أشارت إلى 49.7 نقطة فقط، وعلى صعيد القطاع "الخدمي" واصل المؤشر أداؤه الإيجابي أيضاً، بعدما أظهرت البيانات تسجيل القراءة الأولية 55.4 نقطة في أغسطس، وهو ما جاء أعلى من التوقعات التي رجحت تسجيل 54.2 نقطة، كما سجلت ثقة المستهلك الأمريكي يوم الثلاثاء الماضي ارتفاعًا ملحوظًا خلال شهر أغسطس الجاري، متجاوزة توقعات الأسواق، حيث بلغ مؤشر ثقة المستهلك الأمريكي مستوى 97.4 نقطة في أغسطس، وهو أعلى من توقعات الأسواق التي أشارت إلى تسجيل نحو 96.4 نقطة، ويعد هذا الصعود للشهر الثاني على التوالي إشارة إيجابية على قوة الاقتصاد الأمريكي واستمرار زخم التعافي رغم التحديات.
تؤكد هذه التطورات أن الاقتصاد الأمريكي لا يزال يتمتع بمرونة قوية في مواجهة التحديات العالمية، ما قد يؤثر في قرارات الفيدرالي ويضغط على الإبقاء على سياسته التقييدية في اجتماعه خلال سبتمبر المقبل، لذلك ينبغي عدم التعامل على أن الخفض بات محسوماً، خاصة في ظل انتظار بيانات قادمة لم تصدر بعد!
كاتب ومحلل اقتصادي