من التغير المناخي.. إلى التغير المالي

هل هناك توافق وانسجام بين البيئة والإنسان؟ هل سيطر الإنسان على الطبيعة أم سيطرت عليه؟ الإنسان باعتباره عدو نفسه وعدو محيطه, وذلك بسبب ما اقترفته يداه من أفعال خاطئة وسلوكيات أقل ما توصف أنها جائرة. لقد أفرزت التطورات البيئية الأخيرة فرعاً جديداً من فروع العلوم الاقتصادية وهو علم اقتصاد البيئة الذي يعرف على أنه العلم الذي يقيس بمقاييس بيئية مختلف الجوانب النظرية والتحليلية والمحاسبية للحياة الاقتصادية، ويهدف إلى المحافظة على توازنات بيئية مستدامة. تغير المناخ لم يعد مشكلة بيئية فحسب بل أصبح تهديداً لبقاء الإنسان، حيث إن خطر التغير المناخي أخذ يهدد جميع أشكال الحياة على الأرض بما فيها الأزمات والتغيرات المالية, ويتضح من ترهل حالة كوكب الأرض وإصابته بجملة من المشكلات والمخاطر البيئية المحدقة ليس أقلها انتشار الأمراض والأوبئة الفتاكة والغامضة غير المتوقعة كإنفلونزا الخنازير وغيرها. وتتحمل ظاهرة الاحتباس الحراري ما يحدث من تغير مناخي فالانبعاثات والغازات الصناعية الضارة التي ينفثها الإنسان بلا هوادة في محيطه تتصاعد لتتركز في الغلاف الجوي مسببة انحباس الحرارة في الحيز الجوي القريب من سطح الأرض ما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة هذا الحيز. بقي الجدل حول كوكبنا ذي النصف المعتم والذي ازداد سخونة والتهابا بشأن مسؤولية الإنسان والغازات الصناعية فيما يحدث فيه من تغير مناخي, وبالتالي بشأن جدوى الإجراءات المتخذة لعلاجه لأن ترشيد استخدامنا للطاقة والكف عن نفث سمومنا المتنوعة سيبقى في جميع الأحوال فضيلة كبيرة, على أن تحقيق الهدف العالمي في مجال محاربة التغير المناخي والحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض يتطلب الإرادة السياسية والالتزام الاقتصادي والمالي وحشد كل الجهود والإمكانات المالية والاقتصادية وهي قضية مربحة يبحث عنها الجميع. وإذا كانت الدول الغنية في العالم ما زالت متهمة بالتقاعس في جهودها للقضاء على التغير المناخي لأنها لم تفِ بوعودها بتحجيم الارتفاع في درجة الحرارة الكونية وأنها ترفض الالتزام بمعدلات الكربون التي يمكن أن تحقق هذا الهدف, فإنها متهمة اليوم بالتقاعس في إصلاح الأمور المالية, كما أن سعي الدول النامية لمحاكاة تجارب الدول المتقدمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والمالية قد جعلها عرضة لأن تقع فيما وقعت فيه الأولى, وباستطاعة الدول النامية وهي بلا شك متضررة بشكل أو بآخر بتأثير التغير المناخي كالدول الإفريقية المهددة بالتصحر والبلاد الجبلية التي تذوب فيها الكتل الجليدية ودول أخرى آسيوية تهددها الفيضانات التي تخلفها الأعاصير, هذه الدول باستطاعتها أن تؤثر في قرارات قمم التغير المناخي، كما تؤثر في قمم المال والأعمال، حيث يصبح من الصعب على الدول الغنية ألا تبادر إلى اتخاذ قرارات ملائمة ولو من ناحية أخلاقية, ومع ما يصاحب عملية انتقال رأس المال الأجنبي إلى الاقتصادات النامية والمتحولة بسبب الضغوط البيئية في الدول المتقدمة. التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة عبر آلاف السنين دعت الإنسان إلى ألا يستهلك من الموارد إلا ما هو في حاجة إليه وألا يمدن عينيه إلى الأعلى, فهل نستطيع أن نقيم علاقة حقيقية بين هذين الموضوعين؟ التغير المناخي له علاقة بالتعافي الاقتصادي والتجارة والتغير المالي. نمط معيشة الإنسان العصري تتطلب منه أن يتصالح مع البيئة في سبيل إبطاء نمو النشاط الاقتصادي العالمي ويجب أيضا أن يكون منسجما مع متطلبات الحفاظ على البيئة وكذلك إبراز ما اتخذه الإنسان من قرارات في عالم المال والأعمال التي ربما اعتبرت غير صائبة. خليجنا العربي بمناخه الحار وأتربته المتصاعدة في الصحراء وطموحه البيئي وبحثه في مواضيع شتى، كالطاقة المتجددة والرياح ربما جعلت المال والنقود تتطاير بين عشية وضحاها, وبعد أزمة دبي أدركنا أننا نحتاج إلى استراتيجية نوفر فيها أكثر وننفق أقل بحيث تساعدنا على التقليل من الديون القصيرة والطويلة الأمد، وحيث نتكمن من إجراء تعديلات في نطاق أوسع من السياسات لإعادة التوازن للاقتصاد وأسواق العقار والمال, وهذا سيؤدي إلى تحسين المستوى المعيشي وزيادة معدل الوظائف ويصون مؤسساتنا المالية. الحفاظ على وجود أسواق راسخة وتدفقات حرة للتجارة سيسهم في توفير حالة متوقعة من الاستقرار, وتكمن أهم خطوات التغير الاقتصادي والمالي هذا في اندماج الشركات والبنوك للسيطرة على التجارة وأزماتها, وكذلك الانتباه لعمليات العبث الاقتصادي التي ربما تختلقها بعض أجهزة الدول المتنفذة لتؤثر في نمو الدول عبر أذرعها الاقتصادية وهي الشركات المتعددة الجنسيات لتلعب دوراً حاسما في تسيير الأمور المالية لمصلحتها. وإذا كان في وسع الدول أن تكون حليفة على المستوى السياسي فقد تكون عدائية على الصعيد الاقتصادي, وكما نعلم فقد عملت الولايات المتحدة منذ أحداث 11 أيلول (سبتمبر) على أن تجد لنفسها حجة للتدخل في الشؤون الاقتصادية للدول الأخرى ومحاربة النمو الاقتصادي لأي دولة تبدو صاعدة بشكل باهر, فوقفت في وجه الصين وروسيا وغيرهما. لا شك أن الجوانب الاقتصادية تمثل بعدا مهما من أبعاد الصراع العربي- الإسرائيلي خصوصاً مع احتدام الصراع على الموارد الاقتصادية وتنافس الدول المختلفة على مناطق الوفرة واحتياطيات الطاقة ومصادرها, ولذلك فإن الخطط والاستراتيجيات التخريبية وافتعال الأزمات المالية أصبحت ذات أهمية كبرى لمن لا تقوم خططهم إلا عليها, الكثير من المحللين الاقتصاديين أيقنوا أن الأزمة المالية العالمية جاءت بقرار أمريكي, وذلك بعد أن اتضحت خفايا المشكلة التي تسترت في عباءة نظام اقتصادي – مالي - سياسي معقد ومخيف وفائق السطوة يحرك أمريكا ويعمل على انتشالها خصوصا بعد أن برزت قوى عالمية جديدة على السطح وزادت القلق الأمريكي, هذا النظام يدعى بـ Corporatocracy, لذلك يجب ألا يستغل هذا الموقف الاقتصادي العالمي المتدهور لصالح السياسات الأمريكية الخبيثة, فالاقتصادات العربية والخليجية أصبحت في مقدمة اهتمام هذا الجهاز الذي أراد إيقاع من أراد إيقاعه, ولم يتوان في نشر الفساد المالي والإداري والأخلاقي والاجتماعي وتأجيج الفتن والنفخ في أتون الأزمات المالية. وتعد نظرية تشكيل العالم SHAPING THE WORLD، كما طرحها الرئيس الأسبق كلينتون لاقتناص كل فرصة تتاح للتهوين من أزماتهم الاقتصادية المستعصية. انهيار الأسواق المالية العالمية جاء إثر مخاوف من احتمال ارتفاع مستويات الديون المعدومة في أسواق الائتمان, ونتيجة لذلك فقد تأثر الاقتصاد الأمريكي سلبا بسبب تفاقم أزمة قروض الرهن العقاري ذات التصنيف الائتماني المنخفض كما نعرف, والتي ألحقت خسائر بعشرات البنوك وتم على أثرها شطب ديون قدرت بمئات المليارات, وبعد تصدير الحروب الأمريكية والتضخم لمنطقتنا جاء الآن دور تصدير الأزمات المالية, وبعد أن تدهورت أسواق المال الخليجية متأثرة بحركة التراجعات التي حدثت في الأسواق العالمية بسبب مخاوف من حصول انكماش في اقتصاد الولايات المتحدة, البحث عن عملية الإنقاذ والانتشال أضحى الآن مهما. ضرورة إقامة شراكة تتمتع بالشفافية والعمل من أجل تحديد سبل التعاون والاهتمامات النوعية, فالدول الخليجية وإن ما زالت في طور التعلم والاستفادة من خبرات الآخرين إلا أنها مدعوة للتنسيق مع بعضها للتوصل إلى نتيجة مرضية. ويحدونا الأمل في خلق إطار تشريعي متماسك ومتناسق بين الدول الخليجية كافة لتسهيل عملية التعاون للوصول إلى حل ينظم الأسواق ويخفف من تداعيات الأزمات المالية. وإذا كان الواقع الجغرافي الخليجي وهو منطقة بحرية عرضة للعواصف, والبحر ليس له أمان, فإن الواقع البيئي ليس بالأفضل حالا, فارتفاع مستوى البحر سيتسبب في اختفاء مساحات هائلة من الخضرة واليابسة معا, ومع تعثر التخطيط الاستراتيجي لوضع أي خطط مستقبلية سواء لمواجهة مخاطر التغير المناخي أو لإعادة تخطيط المستجدات على الساحة المالية، وحتى لا يكون الموقف أكثر وعورة فإذا سيطرنا على التغير المناخي سنسيطر على التغير المالي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي