انتخابات الغرف والتصويت عن بُعد
منذ نحو شهر تقريبا طويت صفحة انتخابات مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية في جدة وانفض سامرها بما لها وما عليها. وعلى الرغم من التغطية الإعلامية المكثفة التي حظيت بها تلك الانتخابات وما سبقها من استعدادات، مازالت المقالات والتعليقات تتواصل، منها ما يشكل طرحا جادا، ومنها ما جاء بأسلوب لايخلو من السخرية. وكما أن هناك من أشاد بنجاح تلك الانتخابات مستشهدا بكثرة الأعداد التي شاركت في التصويت وما حملته القائمة الفائزة من أسماء جديدة تدخل للمرة الأولى في عضوية المجلس، كان هناك من وصمها بالفشل مقارنة بالدورات السابقة لغياب كثير من الأسماء التجارية «اللامعة» التي كانت تخوض الانتخابات كفريق متجانس ومؤثر.
مهما كانت وجهة النظر حيال تلك الدورة من الانتخابات، فمن الصعب على مراقب محايد أن يرجح في هذه المرحلة رأيا على الآخر قبل أن يكون هناك تقويما مستقلا ومراجعة رصينة للإيجابيات والسلبيات. ذلك أن تلك الدورة شكلت المرة الأولى التي اعتمدت فيها وزارة التجارة قاعدة جديدة لتنظيم انتخابات مجالس إدارات الغرف التجارية الصناعية ابتداء بغرفة جدة. تلك القاعدة تعطي كل صاحب سجل تجاري (عدا بعض النشاطات المستبعدة أصلا من المشاركة) الحق في التصويت لشخص واحد فقط من بين قائمة المرشحين. وقد صاحب إقرار تلك القاعدة الجديدة منع التصويت على هيئة تكتلات كما كانت عليه الحال في السابق عندما كانت كل مجموعة من المرشحين تؤسس فريقا لخوض الانتخابات له قيادة مستقلة وفق خطة لعب دقيقة يرسمها أحد «كباتنة» الوسط التجاري محدداً فيها مسبقا الدور الذي على كل لاعب في المجموعة أن يؤديه، بمن في ذلك اللاعبون الاحتياطيون.
بالطبع كانت هناك بعض الممارسات المؤسفة كشفت عنها وسائل الإعلام في سياق رصدها مجريات الانتخابات الأخيرة، إلا أن المخضرمين في الغرف لم يولوا تلك التجاوزات أهمية خاصة بحسبانها ليست ظاهرة جديدة، بل كانت موجودة في الدورات الماضية ولا تختص بها جدة وحدها فحسب. كل ما هناك من اختلاف أن «الكباتنة» كانوا يديرون العملية في الماضي باحتراف لا يجيده الهواة الجدد. يومئذ كانت «استمالة» الأصوات تتم في وقت مبكر وبشكل هادئ من خلف الكواليس بحيث تصبح تعبئة الاستمارات أمام الجمهور في أغلبها طقوسا رمزية لا أكثر.
في إطار المراجعة المطلوبة، يمكن للمرء أن يطرح بعض المقترحات التي قد تسهم في الارتقاء بآليات انتخابات الغرف. من بين تلك الاقتراحات اعتماد آلية التصويت أو الاقتراع عن بعد عبر «الإنترنت»، وهو خيار لم يكن متاحا في الماضي لعدم نضوج التقنية الآمنة، كما أن انتشار خدمات «الإنترنت» لم يكن كما هو اليوم على نطاق واسع يسمح بخوض تجربة كالتي نحن بصددها. إن الأخذ بهذا الاقتراح له مزايا عدة، من بينها الدقة والضبط في التصويت ، السرية بعيدا عن الضغوط النفسية والبدنية التي قد يتعرض لها الناخب في صالة الاقتراع. وهذا من شأنه القضاء على الملاسنات والمشاحنات التي تصاحب عادة وجود تجمعات كبيرة متنافسة في مكان واحد. ثم هناك ميزة مهمة أخرى للتصويت عن بعد وهي استقطاب أعداد أكبر من الناخبين مقارنة بالمشاركات الحالية المتواضعة نسبيا بسبب عناء التنقل، الانتظار، الحرج، وغير ذلك من المثبطات في الوضع القائم.
أما الاقتراح الآخر الذي قد يحسن النظر فيه ضمن عملية تقويم الوضع الراهن هو عدالة مبدأ « صوت واحد لكل سجل تجاري» إذ أن ذلك يعني المساواة في القدرة على التأثير في قائمة المنتخبين بين شركات كبرى كسابك أو صافولا على سبيل المثال وبين بقالة صغيرة يعمل فيها شخص واحد بمبيعات لا تزيد على 100 ألف ريال في السنة. إن المصالح والقرارات العامة التي تعنى بها الشركات الكبرى تختلف إلى حد كبير عن اهتمام المؤسسات الصغيرة وما شابه، وذلك يدعو إلى منح الشركات الكبرى قدرة تصويتية تتناسب مع أحجامها وبالتالي اختيار بعض الأعضاء في مجالس إدارات الغرف من ذوي الكفاءات بدلا من أولئك الذين تسللوا عبر ثغرات النظام الحالي.
هناك متسع لتطوير آليات انتخابات الغرف التجارية الصناعية ورفع سقف نزاهتها وشفافيتها.