ممثلو الحكومة في الشركات
تمتلك الحكومة عبر ذراعها الاستثمارية، صندوق الاستثمارات العامة، أكبر محفظة في السوق المالية المحلية ما يعطيها صوتاً مؤثراً في أعمال وقرارات غالبية الشركات القيادية المساهمة. تلك الاستثمارات تدر دخلاً جيداً للخزانة العامة في الوقت الراهن يقدر بنحو عشرة مليارات ريال سنوياً تمثل حصة الدولة من الأرباح الموزعة ناهيك عن الأرباح التي تحتفظ بها الشركات في بنود الاحتياطيات العادية وغيرها. ولا شك أن هذا الدخل أصبح يشكل رافداً واعداً ضمن سياسة الدولة لتنويع مصادر إيراداتها وتقليص الاعتماد على مبيعات النفط الخام بشكل تدريجي. ولا تقتصر استثمارات الحكومة على الشركات المساهمة المدرجة في السوق، بل تمتد تلك الاستثمارات إلى شركات أخرى غير مدرجة، وشركات ثنائية وأخرى عربية مشتركة. يشمل نشاط تلك الشركات حزمة واسعة من الفعاليات الاقتصادية كالصناعة، الزراعة، النقل، الاتصالات، المصارف، الخدمات، الصحة، التعليم، وغيرها.
تلك الاستثمارات ترتب للحكومة الكثير من الحقوق, في مقدمتها تعيين أعضاء في مجالس إدارات الشركات والمؤسسات بأعداد تتناسب مع حجم حصتها في رأس المال. ومن بين تلك الحقوق أيضاً تعيين رئيس مجلس إدارة المنشأة إن كانت للحكومة ملكية مسيطرة أي ما يزيد على نسبة 50 في المائة من رأس المال. ومن هنا تتبين أهمية الدور الذي يضطلع به ممثلو الحكومة في تلك الشركات والمؤسسات وما قد يفضي إليه ذلك الدور من آثار سلبية اقتصادياً واجتماعياً إن لم يؤد بحكمة ومهنية تنأى بنفسها عن القناعات الشخصية الضيقة والتجارب غير الناضجة. لن أطيل في هذا الجانب من الموضوع ، كما أنني لا أرى حاجة إلى ضرب أمثلة على قرارات تمرر في مجالس إدارات بعض تلك الشركات على الرغم من وجود ممثلين للحكومة.
ذلك الدور المهم المنتظر من عضو مجلس الإدارة، ولا سيما إن كان ممثلاً للمال العام، يلقي مسؤولية كبيرة على عاتق صاحب القرار في اختياره وتعيينه. وإذا استعرضنا اليوم أسماء ممثلي الحكومة في مجالس إدارات الشركات المساهمة وغيرها لوجدنا أنها في معظمها اختيارات موفقة. ولعل حسن الاختيار يعود الفضل فيه بعد الله ـ تعالى ـ إلى الدقة التي يمارسها وزير المالية رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة في ذلك الشأن. لكن على الرغم من ذلك النجاح، يرى البعض أهمية وضع معايير لاختيار أولئك الممثلين ما يرفع الحرج عن صاحب القرار مع ضمان وضع الشخص المناسب في المكان المناسب مهما تغيرت قيادات الصندوق.
الشاهد هنا هو أهمية الدور الذي يلعبه ممثلو الحكومة في مجالس إدارات الشركات المساهمة وغيرها ما يدعو إلى وضع معايير لاختيارهم تراعي الكفاءة والقدرة على تخصيص وقت كاف لدراسة ومناقشة ما يعرض من موضوعات في تلك المجالس، وعدم وجود تضارب مصالح، وغيرها. وليس هناك حاجة إلى الذهاب بعيداً بحثاً عن تلك المعايير، إذ يمكن الاسترشاد بتجربة شركة أرامكو السعودية، كما أن هناك بعض الجهات كمجلس الشورى وهيئة السوق المالية التي لا بد أن لديها ما تقدمه في ذلك السياق.
لقد حان الوقت لتطوير ذلك الجانب من إدارة ومتابعة المال العام.