دعوات ترمب لمقاطعة النفط الروسي بين الدوافع والمخاوف

أظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أخيرا رغبة علنية في تضييق الخناق على الاقتصاد الروسي مستهدفاً عماد الاقتصاد الروسي وركيزته الرئيسية وهو النفط، فقد وجه ترمب دعوات صريحة وانتقادات حادة لدول تحالف الناتو والهند بسبب شراءها النفط الروسي وطلب من الرئيس التركي في زيارته الأخيرة للبيت الأبيض التوقف عن شراء النفط الروسي إذا أراد ابرام صفقة المقاتلات الأمريكية F-35 و F-16وأنظمة باتوريت.

كما دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أعضاء حلف الناتو إلى التوقف عن شراء النفط الروسي فوراً ووصف ترمب عمليات شراء النفط الروسي بأنها صادمة مشيراً إلى أنها تمول الحرب الروسية في أوكرانيا ومؤكداً أن الحرب ستتوقف إذا توقفت جميع دول الناتو عن شراء النفط الروسي وفرضت تعريفات جمركية تصل إلى 50-100% على الصين لإضعاف دعمها لروسيا. 

يُعد النفط الروسي أحد أبرز العناصر التي تشكل التوازنات الاقتصادية والسياسية حالياً فروسيا التي تعد ثالث أكبر منتج للنفط في العالم تمتلك حصة تصل إلى أكثر من 12% من الإنتاج العالمي للنفط الخام، حيث بلغ إنتاجها اليومي نحو 10 ملايين برميل يومياً هذا العام. ومع ذلك، أصبح هذا النفط محوراً للتوترات الدولية ومدعاة لقلق قاد نداءات لمقاطعته بشكل كامل.

تاريخياً يُعد النفط الروسي امتدادًا للصناعة النفطية خلال العصر السوفييتي، حيث ارتبطت الأحداث الكبرى بالنفط السوفييتي وإعادة ضبط التوازنات الدولية التي كانت ساحة الاقتصاد إحدى ساحات الحرب الرئيسية في الحرب الباردة، لقد كان الاتحاد السوفييتي يمتلك حصة كبيرة من الإنتاج العالمي بيد أنها انخفضت من 31% إلى 9% بسبب المنافسة الغربية مطلع القرن الماضي وما لبثت أن استعادت قوتها بعد الثورة البلشفية في 1917 عندما سيطرت الدولة على الإنتاج. 

بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في 1991، شهدت صناعة النفط الروسية خصخصة جزئية وأدى ذلك إلى ظهور شركات عملاقة مثل روزنفت ولوك أويل، وتحت قيادة الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين عادت الدولة للسيطرة والإمساك بمفاصل القطاع مستخدمة الإيرادات النفطية لتعزيز الاقتصاد الداخلي والتوسع في الإنتاج والمداخيل، ما سمح لها بلعب دور أكبر على الساحة الاقتصادية العالمية، ولا سيما الأوروبية التي كان النفط الروسي يمد شرايين الاقتصاد الأوروبي بالدفء والحياة رغم قدومه من صقيع حقول روسيا الباردة.

انزعج الأوروبيون بعد ضم روسيا لجزيرة شبه القرم عام 2014، ما أدى إلى تعرض النفط الروسي إلى عقوبات غربية أولية بما في ذلك قيود على تصدير التكنولوجيا النفطية ثم جاء الغزو الروسي لأوكرانيا في 2022 وأثار عقوبات أكبر أدت إلى انخفاض صادرات الغاز الروسي 9% في الفترة بين 2020 إلى 2022، و13% إضافية في الفترة بين 2022 إلى 2024.

هذه العقوبات تركت أثراً في الاقتصاد الروسي ولكنها وجهت تركيز روسيا إلى الهند والصين وعرضت عليهما عروضا جذابة وتخفيضات سعرية كبيرة لمواصلة صادراتها النفطية إليهما، ما سمح لاستدامة الإمدادات والعائدات النفطية وهو ما كان ولا يزال مصدر قلق للإدارات الأمريكية السابقة واللاحقة.

إن الأسباب الرئيسية لدعوات مقاطعة ووقف شراء النفط الروسي اقتصادية وسياسية معاً، فالإدارة الأمريكية تهدف إلى قطع مصادر التمويل الرئيسية لروسيا، حيث تشكل إيرادات الطاقة المصدر الأكبر لتمويل الحرب في أوكرانيا.

أما السبب الثاني فهو تعزيز انتعاش صناعة الطاقة الأمريكية، فالرئيس لا يخفي رغبته في ذلك بل ويقرن طلبه بوقف شراء النفط الروسي بدعوة أوروبا إلى شراء الغاز الطبيعي المسال الأمريكي بدلاً منه، ما يرى فيه إسهاماً في تعزيز صناعة الطاقة الأمريكية والاقتصاد الأمريكي. 

يرى ترمب في المقاطعة وسيلة لإنهاء الحرب، مشروطاً بوقف روسيا لعدوانها مع التركيز على تناقض الناتو الذي يدعم أوكرانيا عسكرياً بينما يدعم روسيا اقتصادياً.

ومع ذلك يبدو ترمب متردداً في تشديد العقوبات على صناعة النفط الروسية رغم التهديدات المتعددة، مفضلاً الضغط على الحلفاء فهو يدرك المخاوف والآثار من ارتداد مثل هذه العقوبات على أسواق النفط التي قد تشعر بشح الإمدادات وتتحول إلى ارتفاعات كبيرة في أسعار النفط.

وهو آخر ما تريده الإدارة الأمريكية الحالية التي تسعى بكل ثقلها لكبح جماحها وهي التي سعت جاهدة إلى تعزيز الإنتاج الأمريكي وإزالة القيود والتشريعات البيئية التي كانت عائقا يحد من تدفق مزيد من النفط الأمريكي إلى الأسواق حتى يسهم في خفض الأسعار.

 

خبير إستراتيجي في شؤون الطاقة

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي