لا تنخدع ببريق الذهب

هل سيواصل الذهب التألق؟ سجّل الذهب مكاسب بلغت 39.9% بالريال حتى 15 سبتمبر، أي ما يزيد على ضعفي عوائد مؤشر إم إس سي آي دبليو آي ... في الوقت الذي تراجع فيه مؤشر السوق المالية السعودية "تداول". وهو ما يجعل الذهب جذّابًا لكثيرين، خاصةً مع تزايد المخاوف من الحروب، والتوترات في التجارة العالمية، واستمرار هواجس التضخم.
لكن عليك أن تنتبه إلى أن الذهب يتطلب توقيتًا دقيقًا للغاية. إذا لم تكن قادرًا على توقيت تحركات سوق الأسهم، فلا تحاول فعل ذلك مع سوق الذهب.
والسبب هو أن كثيرين يروّجون لفكرة أن الذهب أداة تحوط سحرية للحماية من التضخم، حيث إنه سلعة، لكن على عكس النفط فهو بلا أرباح، ولا مرونة، ولا توزيعات. صحيح أنه سجّل صعودًا لافتًا في الآونة الأخيرة، ولكن هذا الفارق بين العوائد يتقلّص على المدى البعيد.
منذ مايو 2002، وهو تاريخ بدء بيانات مؤشر إم. إس. سي. آي دبليو آي بالريال السعودي، حققت الأسهم العالمية عائدًا سنويًا قدره 8.8% بما في ذلك توزيعات الأرباح بينما حقق الذهب 10.6% وقد تجاوز كلاهما عائد مؤشر تداول السعودي البالغ 5.8% ولا يشمل ذلك توزيعات الأرباح.
قد تظن أن الأمر محسوم لأن الذهب يرتفع بشكلٍ أكبر، لكن عند النظر إلى فترة أطول باستخدام بيانات بالدولار الأمريكي، ستجد أن موازين الصدارة تنقلب بشكل حاد. منذ 1974، عقب تخلي الولايات المتحدة عن آخر ارتباطاتها بمعيار الذهب، لم يسجّل الذهب سوى 5.8% كمعدل نمو سنوي بالدولار الأمريكي حتى إغلاق أغسطس (تذكّر أن الريال مرتبط بالدولار).
أما مؤشر ستاندرد آند بورز 500 الأمريكي فقد تجاوز ذلك بأكثر من الضعف، مسجلًا 12.4% كمعدل سنوي. وبالمثل، فقد حققت الأسهم العالمية معدل نمو سنوي قدره 8.6% بالدولار الأمريكي منذ انطلاق مؤشر إم إس سي آي دبليو آي 1988، مقابل 5.2% للذهب خلال الفترة نفسها.
ارتفع الذهب بنسبة 59% بالدولار الأمريكي من الفترات المتعاقبة على أساس 12 شهرًا حتى أغسطس، بينما سجّلت الأسهم الأمريكية ارتفاعًا بنسبة 82%.
عادةً ما يُفترض أن تصاحب العوائد المنخفضة تقلبات أقل على المدى الطويل، لكن الذهب لا ينطبق عليه ذلك! تأمّل الانحراف المعياري لمدة عام واحد، باعتباره مقياسًا لمدى ابتعاد العوائد السنوية عن متوسطها.
بلغ الانحراف المعياري للأسهم العالمية بالريال، والمعروفة بتذبذبها، 15.5%منذ بداية توفر البيانات. بينما حقق الذهب 16.6%! لِنوسّع نطاق الفترة الزمنية مجددًا، مستخدمين العوائد بالدولار الأمريكي منذ عام 1974: بلغ الانحراف المعياري لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 الأمريكي 15.1%، مقابل مستوى أعلى للذهب عند 18.4%
أما تقلبات السوق المالية السعودية منذ 2002 فهي أعلى من ذلك، حيث سجل مؤشر تداول نسبة 23.4% يُعزّز هذا أهمية تنويع الاستثمارات عالميًا، وليس شراء المعدن الأصفر اللامع.
إن ارتفاع التقلبات وضعف العوائد على المدى الطويل يعني ضمنيًا أن مكاسب الذهب قد تكون كبيرة، لكنها متقطعة، وتفصل بينها فترات طويلة من الركود والتراجعات. تأمّل التاريخ: في 21 يناير 1980، بلغ الذهب ذروته عند 850 دولارًا أمريكيًا. ولم يُعاود الذهب بلوغ ذلك المستوى إلا في 2 يناير 2008، أي بعد مرور 28 عامًا! وخلال تلك الفترة حدثت ارتفاعات قوية بلغت 50%، لكنها تلاشت في انخفاضات أطول بكثير.
ينطبق الأمر نفسه بالريال، بلغ الذهب 7107.10 ريال سعودي للأونصة في 6 سبتمبر 2011، ثم هبط بنسبة -44.6% خلال السنوات الأربع التالية، ولم يستعد ذلك المستوى إلا في 24 يوليو 2020، أي بعد نحو 9 سنوات. لم يتمكّن الذهب من رفع عوائده السنوية إلى 6.7%منذ ذروة 2011 بنهاية أغسطس، إلا بفضل الطفرة الكبيرة التي بدأت منذ أواخر 2022 ورغم ذلك ظل أقل من متوسطه التاريخي.
إذن، توقيت الاستثمار في الذهب هو العامل الحاسم. لكن الأساطير التي تقول إن الذهب وسيلة للتحوّط من الرسوم الجمركية أو التضخم، أو ملاذ آمن في الأسواق الهابطة، لن تفيد. مرة أخرى، انظر إلى التاريخ: بلغ الذهب ذروته لعام 2022 بالريال في 8 مارس. ثم تراجع بنسبة -20.0% بالتوازي مع السوق المالية السعودية والأسهم العالمية، وهكذا تسقط رواية أن الذهب ملاذ آمن.
إضافة إلى ذلك، بلغ التضخم العالمي آنذاك أعلى مستوياته في نحو 40 عامًا، ولم يكن تراجع الذهب حينها وسيلة للتحوّط من ذلك. وبحلول الوقت الذي عاد فيه الذهب إلى الارتفاع، كانت الأسهم العالمية قد ارتفعت أيضًا. يعكس هذا ارتباطًا إيجابيًا بين الأسهم والذهب، وهو عكس ما يُفترض أن تقدمه أداة التحوّط.
ماذا عن الرسوم الجمركية؟ التجربة الوحيدة كانت بين 2017 و2020، عندما فرض ترمب ضرائب على الواردات الصينية، تفوّق الذهب على السوق المالية السعودية حينها ... لكنه تراجع عن مؤشر إم إس سي آي دبليو آي.
يرى كثيرون أن سر جاذبية الذهب عوائده البراقة في الآونة الأخيرة. لكن شراء الأصول بدافع الاندفاع وراء الأداء المرتفع يعد خطأً استثماريًا، إنه أشبه بملاحقة البريق الزائف.

مؤسس Fisher Investments وأكبر مستشار استثماري في العالم وكاتب متخصص في أسواق الأسهم والصناديق الاستثمارية

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي