فرنسا.. العين على الأثرياء

ليس غريباً أن تتصاعد التوجهات في فرنسا "ضد" الأثرياء فيها، في ظل تفاقم المصاعب الاقتصادية التي تمر بها البلاد منذ عقود، وليس سنوات. هذه المصاعب طرحت حتى أسئلة عن مصير الرئيس إيمانويل ماكرون السياسي قبل انتهاء فترة ولايته الثانية الحالية، ناهيك عن التغيير المستمر لحكوماته، التي لم تعد قادرة على الصمود، من فرط ارتفاع قوة وتأثير الأحزاب السياسية المختلفة، من اليمين واليسار.

الحال مشابه إلى حد ما على الساحة البريطانية من ناحية ملاحقة الأثرياء ضرائبياً، وإن اختلف بشدة من الناحية السياسية حيث تتمتع حكومة كير ستارمر الحالية، بأغلبية برلمانية قوية للغاية. فعندما تتراجع العوائد، تلجأ الحكومات إلى الدفاتر القديمة وتفتحها، لمراجعة الثروات الخاصة فيها، وتحديد المستهدفين.

فرنسا "مصابة" بأكبر عجز في موازنتها العامة بمنطقة اليورو، وهذا ليس جديداً، ولكنه بات علاجه ملحاً وسط الهشاشة السياسية للحكم الحالي.

العجز بلغ 5.8% أي أكثر من 100 مليار يورو، في حين تجهد الحكومة نفسها من أجل إيصاله بحلول 2029 إلى ما دون السقف الأوروبي عند 3 %، علماً بأن الدين العام بلغ هذا العام 3345 مليار يورو، أو ما يوازي 114% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أيضاً الأعلى في ساحة اليورو، بينما وضع الاتحاد الأوروبي الحد الأقصى للدين العام عند حاجز 60 % من الناتج المحلي. لا شك أن أزمة جائحة "كورونا" وغيرها من المسببات أسهمت في اتساع دائرة الدين العام، إلا أن أداء الاقتصاد الفرنسي، لم يكن على المستوى المأمول في السنوات القليلة الماضية.

يأتي الدور اليوم على ما يمكن وصفه بـ "فاحشي الثراء" الذين يعيشون في البر الفرنسي، لسد ما أمكن من العجز العام. فالفكرة ليست جديدة، كانت موجودة أصلاً، إلى أن ألغاها ماكرون في العام 2018، وهي تستند إلى فرض ضريبة سنوية على الثروات التي تزيد على 100 مليون يورو.

ورغم أن المسألة لا تزال في طور البحث، لكنها تلقى تأييداً قوياً من جانب التيارات اليسارية المؤثرة في الساحة السياسية في الوقت الراهن، ولا سيما بعد أن ربطت موافقتها على الميزانية العامة لسنة 2026، بإدخال الضريبة المقترحة، ما يمنحها زخماً كبيراً بالفعل. وبصرف النظر عما يمكن أن توفر الضريبة المشار إليها من عوائد (تقدر بما بين 15 و25 مليار يورو)، إلا أنها بلا شك ستدفع كثيراً من الأثرياء للبحث عن ملاذات أكثر أمناً لثرواتهم.

في الأشهر الماضية، بدأت هجرة لافتة للأموال من بريطانيا في ظلا توجهات حكومة العمال الحالية، سواء من الأجانب أو من البريطانيين أنفسهم، الذين اختاروا التحوط من التشريعات الجديدة.

والأمر سيكون مشابهاً بلا شك في الحالة الفرنسية، وهذا ما يجعل المشهد مضطرباً في حال تم استهداف أصحاب الـ 100 يورو وما فوق بضرائب عالية.

لكن لا يبدو أمام الرئيس ماكرون، سوى هذا الجانب من الحل. فهو لا يسعى لسد العجز في موارنته العامة فقط، بل يعمل أيضاً على تخفيف المخاطر التي يواجهها هو وحكومته.


كاتب اقتصادي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي