التوريق في سوق التمويل العقارية .. ماله وما عليه

بدأ برنامج التوريق في سوق التمويل العقاري عندما أطلقت الشركة السعودية لإعادة التمويل العقاري (SRC) - إحدى شركات صندوق الاستثمارات العامة - أول إصدارتها من الأوراق مالية المدعومة بالتمويلات العقارية السكنية، فهي عملية مركبة، تبدأ أولا من خلال بيع البنك أصول عقارية من خلال المرابحة، ولضمان السداد يتم رهن العقار لصالح البنك، ويتحصل البنك على أقساط شهرية من العميل (مالك المنزل)، ومع تزايد الرهون العقارية لدى البنك.
وللحصول على أموال يقوم البنك ببيع هذه الرهون (محفظة كاملة منها) للشركة السعودية لإعادة التمويل العقاري، فيتم نقل الرهن لمصلحة الشركة مقابل أن تدفع الشركة للبنك المبلغ المستحق (مع تنازل البنك عن جزء من أرباحه للشركة)، وهذه العملية ليست توريقا بل أعادة تمويل، حيث تمكن البنوك من الحصول على سيوله لمواجه الطلبات الجديدة من العقارات. لكن تزايد طلبات تسييل المحافظ العقارية من قبل البنوك قد يعطل عمل الشركة، مالم تستطع إيجاد مصدر للتمويل وخاصة أنها لا تحصل على ودائع مثل البنوك.
وانتظار سداد الرهون العقارية قد يأخذ وقتا، لهذا ووفقا لنموذج التوريق العقاري، تستطيع الشركة إصدار صكوك للسوق المالية بضمان الرهن، حيث تسدد فوائد الصكوك من خلال أقساط الرهون، وتستطيع من خلال النقدية التي تتحصل عليها أن تحقق فائدتين، الأولى هي الحصول على النقد ومن ثم استخدامه إعادة تمويل رهون عقارية جديدة من البنوك والفائدة الثانية أنها تحرك الراكد من مياه السوق التطوير العقارية، بإنتاج سيولة جديدة تحفز الاستثمار العقاري أكثر، وبذلك تتحسن ملكية المواطنين للمنازل.
هذا واضح ومجرب في العالم ولا غبار عليه، وهو أيضا يخفف من المخاطر التي تواجه البنوك التي تشتري العقارات من شركات التمويل وتبيعها للموطنين، فوجود شركات تشتري الرهون من البنوك يعني ضمان عودة الأموال بسرعة وحركة دوران رأس المال، وهذا ما للتمويل من مزايا لكن بقي ما عليه.

لعل ما يواجه هذا النموذج هو سعر تقييم العقارات عند اصدار الصكوك (التوريق)، فهناك عقارات كانت أسعارها عند بداية الرهن (عند اقتراض المواطن من البنك) مليون ريال - مثلا، لكنها اليوم تساوي مليوني ريال، فهل سيصدر الصك بقيمة القرض الأصلي أم بتقييم العقار عند اصدار الصك لأن هناك فرق مليون ريال، المشكلة هنا أنه عندما قدمت البنوك القرض للمواطن لم تقم بتقييم جاد للعقار بل في نظري تقييم شكلي، ذلك لأن مخاطر التقييم منخفضه لدينا والسبب أننا لا نرهن العقار وحده للبنك، بل نرهن الراتب معه (لأن الموطن لا يستطيع شراء العقار حتى يقدم إقرار بتحويل الراتب للبنك ليستقطع القسط شهريا وفورا، ولا مجال لنقل الراتب لجهة أخرى دون مخالصة البنك).
فقيمة العقار التي ارتفعت بسبب تزايد اقبال الناس على العقارات والرهن العقاري لا يأتي من مصدره الطبيعي (العرض والطلب) بل هناك فاعل ثالث وهو الراتب. لهذا فعند بيع الرهن للشركات الممولة فإن التقييم لا يصل للرهن العقار فقط، بل يتجاوزه للراتب المرهون، ولو أنه لا يوجد لدى البنوك ضان إلا قيمة المنزل المرهون لتحسنت كثيرا آليات تقييم المنازل.
فالمشكلة هنا أن إصدار صكوك برهن بضمان العقارات المرهونة يعني توسيع دائرة الانكشاف على رواتب وبدلات الموظفين، وعند تسعير الأوراق المالية المصدرة بسعر التقييم الأخير للعقار وليس التقييم الذي تم عليه القرض يعني أن الانكشاف اوسع.

الأمر الثاني للرهن العقاري هي المعايير المحاسبية، ففي نهاية كل عام سيتم إعادة تقييم العقارات الاستثمارية، وهذه هي المشكلة التي واجهت السوق العقارية الأمريكية، وقد كتبت في هذا مقالا مطولا فجذور الأزمة المالية التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية بين عامي 2007 و2008 هي انهيار سوق "بعض" العقارات السكنية، ولكن بسبب آليات التقييم المحاسبية فقد أثرت تلك العقارات التي انهارت أسعارها سلبا في قيمة العقارات الأخرى المرتبطة بالرهن العقاري ومن ثم وصل التأثير للمنتجات المالية في الميزانيات العمومية لعديد من المؤسسات المالية.
وتكبدت المؤسسات المالية خسائر فادحة في عامي 2007 و2008 نتيجةً لتخفيض قيمة الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري في ميزانياتها العمومية. وهذا التخفيض أدى إلى انخفاض قيمة رأس المال التنظيمي للبنوك، ما أجبر البنوك على زيادة رأسمالها، وأثار حالة من عدم اليقين لدى المستثمرين بشأن سلامة أداء البنوك. فإصدار الصكوك مقابل الرهون العقارية يربط نواحي كثيرة ببعضها البعض ويجعلها في سلسلة لا يمكن الفكاك منها.

أمر آخر لا بد من الالتفات له، هل سيقف إصدار الصكوك في مقابل الرهون العقارية عند الشركة السعودية لإعادة التمويل العقاري (SRC)، أم ستبدأ البنوك بتأدية هذا الدور، وذلك من خلال انشاء كيانات خاصة لهذا الغرض، إذا حدث هذا فإن اليات مراقبة تلك المؤسسات الخاصة التي سوف تستخدمها البنوك مهم جدا، وهذا يضع السؤال التالي المهم حول من سيشتري الصكوك.
لقد نجحت فكرة إصدار الصكوك والسندات مقابل الرهون العقارية في السوق الأمريكية نظرا لضخامة السوق الأمريكية كما أن السوق مفتوحة للبنوك العالمية التي استثمرت بقوة في هذا الجانب، ولا أعرف سوقا أخرى نجحت في التوريق العقاري كمثل السوق الأمريكية، ولهذا فإن مقدرة هذا النموذج على النجاح في إعادة تمويل البنوك لمواجهه الطلب على التمويل العقاري محل تأمل، لقد نجحت السوق المالية أخيرا في فتح الاستثمار في السوق للمستثمر الأجنبي لكن هل هذا كاف لدعم التوجهات نحو التوريق العقاري؟، هذا يتطلب دراسة أعمق.

باحث اقتصادي وأكاديمي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي