من ذعر الركود التضخمي إلى نشوة السوق الصاعدة .. كيف تغير مزاج المستثمرين في أمريكا؟

من ذعر الركود التضخمي إلى نشوة السوق الصاعدة .. كيف تغير مزاج المستثمرين في أمريكا؟
سريان الرسوم الجمركية لا يؤثر كثيرا في السوق. "جيتي"

شهدت السوق الأمريكية تحولا جذريا في الأشهر القليلة الماضية، فبعد أن تصاعد الذعر تجاه الآثار الاقتصادية للرسوم الجمركية، انحسر تدريجيا لتحل محله أصوات متفائلة في وول ستريت تتوقع دخول السوق موجة ارتفاع.

ماذا حدث؟ وكيف تحولت الأسواق من خوفها من الركود التضخمي إلى تجاهل أكبر اضطراب في السياسة التجارية منذ قرن؟

قبل بضعة أشهر، بدأت توقعات الركود تتزايد في وول ستريت، وكان المستثمرون قلقين من الركود التضخمي، حيث يستمر ارتفاع التضخم بينما يتباطأ النمو الاقتصادي، وهو ما يحذر اقتصاديون من أنه أسوأ من الركود الطبيعي.

لكن يبدو أن هذه المخاوف قد تبددت، ولا سيما الآن بعد أن أظهرت بيانات الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني، الصادرة يوم الأربعاء، أن الاقتصاد الأمريكي عاد إلى النمو هذا الربيع.

رفع جولدمان ساكس وبنك أوف أمريكا وغيرهما توقعاتها الاقتصادية في الأسابيع الأخيرة، ويتوقع معظم المستثمرين الآن أن يتجنب الاقتصاد الركود، حيث أظهر استطلاع أجراه بنك أوف أمريكا في يوليو أن 65% من مديري صناديق الاستثمار العالمية يتوقعون هبوطا سلسا.

في الوقت نفسه، عادت أسهم الميم بقوة، في إشارة أخرى إلى عودة الحماس إلى الأسواق.

ومع ذلك، لا تزال رسوم ترمب الجمركية سارية. يبلغ معدل الرسوم الجمركية في الولايات المتحدة نحو 18.2%، بحسب آخر تحديث من مركز الأبحاث Yale Budget Lab. وقال الباحثون "إن هذا هو أعلى معدل رسوم جمركية إجمالي منذ 1934".

من جانبه، قال دوج بيتا، كبير إستراتيجيي الاستثمار في الولايات المتحدة لدى شركة BCA Research، لموقع بزنس إنسايدر: "لو أخبرني أحدكم قبل عام أو ستة أشهر أننا سنشهد رسوما جمركية شاملة بنسبة 15%، لكنت توقعت أن يكون مؤشر إس آند بي 500 أقل بكثير مما هو عليه الآن. وبالتأكيد لم أكن لأتوقع تحقيقه مستويات قياسية جديدة".

ويقول خبراء السوق الذين تحدثوا إلى "بزنس إنسايدر"، "إن عاملين دفعا السوق إلى تحول كبير".

1- الرسوم الجمركية ليست بالسوء المتوقع
يقول بيتا "إن سريان الرسوم الجمركية لا يؤثر كثيرا في السوق، إنها ليست سيئة كما كان متوقعا في البداية".

ارتفعت الأسهم مع إعلان ترمب مزيدا من الصفقات التجارية مع شركائه الرئيسيين، مُحددا معدلات الرسوم الجمركية عموما بأقل مما اقترحه في البداية.

قال بيتا "إنه حتى عندما صعد ترمب تهديداته بالرسوم الجمركية، كما حدث عندما نشر رسائل إلى 23 دولة على منصته تروث سوشيال، كانت الأسواق واثقة بتراجعه".

من جهته، قال بول هيكي، المؤسس المشارك لمجموعة بيسبوك إنفستمنتس، لـ "بزنس إنسايدر"، "إن المزاج المتشائم الذي رافق يوم التحرير كان نتيجة (الصدمة) التي أحدثتها رسوم ترمب الجمركية"، مشيرا إلى أن الأسواق لا ترتفع بنسبة 20% فجأة دون سبب، بل يكون وراء ذلك إما حدث كبير، أو موجة بيع مبالغ فيها سبقت الارتفاع.

2- قوة الاقتصاد الأمريكي غير المتوقعة

أما الاقتصاد، فقد خالف التوقعات. بينما كانت المخاوف من الركود التضخمي تتزايد قبل عدة أشهر، بدأ الناتج المحلي الإجمالي النمو مجددا بعد انكماشه في الربع الأول.

خفض بنك أوف أمريكا أخيرا توقعاته بشأن الركود التضخمي، مشيرا إلى عدد من الأسباب التي قد تدفع الاقتصاد إلى الازدهار في الأرباع المقبلة، بما في ذلك أجندة ترمب الداعمة للنمو وخطط الإنفاق الرأسمالي الضخمة بين الشركات الأمريكية.

في الوقت نفسه، ارتفع التضخم، لكن نمو الأسعار الإجمالي يقترب نسبيا من مستهدف التضخم الذي حدده الاحتياطي الفيدرالي 2%.

وحافظت أرباح الشركات، المرحلة الأخيرة والأهم لأي موجة انتعاش لسوق الأسهم، على أداء جيد. من بين شركات مؤشر إس آند بي 500 التي أعلنت عن نتائجها المالية حتى الآن خلال هذا الربع، تجاوزت 80% من الشركات توقعات الأرباح، بحسب آخر تحديث من شركة "فاكت سيت".

هل هناك مفاجآت سلبية قادمة؟
لا يزال من المحتمل ألا يكون التأثير الكامل للرسوم الجمركية ملموسا بعد في الأسواق والاقتصاد.

قال باراج ثاتي، مدير تخصيص الأصول العالمية وإستراتيجية الأسهم الأمريكية في دويتشه بنك، لـ "بيزنس إنسايدر": "أعتقد أن معظم المستثمرين ينتظرون الآن حتى يتضح تأثير الرسوم الجمركية".

من جانبه، قال بيتا من BCA Research "إن هناك احتمالا لأن يكون بعض المستثمرين متفائلين أكثر من اللازم"، مشيرا إلى شكوكه حول قدرة بعض الاتفاقيات التجارية الأمريكية الأخيرة على تعويض التأثير السلبي للرسوم في النمو الاقتصادي.

ومنذ عادت المؤشرات الرئيسية إلى مستويات قياسية، انتشرت توقعات في وول ستريت عن احتمال حدوث تراجع في السوق. وقد حذرت بعض الشركات، من ضمنها "إيفركور آي إس آي" و"بيمكو"، من خطر تصحيح الأسهم، رغم استمرار المؤشرات في تحقيق أرقام قياسية متتالية خلال الأسابيع الماضية.

وعلى المدى القصير، يرى هيكي أن التفاؤل قد يبدأ في التلاشي قريبا، ولا سيما مع دخول السوق فترة موسمية تاريخية من الضعف تمتد من أواخر يوليو إلى سبتمبر. وقال عن الوضع الموسمي للسوق: "انقلبت الموازين. لن نفاجأ بتوقف انتعاش السوق على المدى القصير".

الأكثر قراءة