إندونيسيا تقود قاطرة دول "آسيان" نحو تعاون اقتصادي أوسع مع السعودية
تتميز العلاقات الاقتصادية بين السعودية وإندونيسيا بتاريخ طويل من التعاون، يمتد إلى أكثر من 7 عقود، تعززت خلالها العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، وتحولت عبر الزمن من تبادل تجاري محدود إلى آفاق واسعة، تشمل الاستثمارات المتنوعة والشراكات الاقتصادية العميقة.
إندونيسيا اليوم، هي واحدة من أكبر الشركاء التجاريين للسعودية في منطقة جنوب شرق آسيا، حيث تجاوز حجم التجارة بين البلدين 7 مليارات دولار. ويميل الميزان التجاري إلى السعودية بفارق نحو 3 مليارات دولار.
في السنوات الأخيرة، شهدت العلاقة الثنائية قفزة نوعية، مدفوعة برغبة الطرفين في تنويع اقتصاديهما؛ فبينما تسعى جاكرتا إلى تنويع مصادر الطاقة وجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، تتجه السعودية في إطار "رؤية 2030" إلى تعظيم الاستثمارات غير النفطية.
زيارة الرئيس الإندونيسي تجسيد لمستويات متعددة من التعاون
مثلت الزيارة التي قام بها الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو إلى الرياض في الآونة الأخيرة أفضل تجسيد لزخم العلاقة بين البلدين، حيث وقع البلدان صفقات بـ 27 مليار دولار، تركزت على مجالات الطاقة النظيفة والبتروكيماويات والموارد المعدنية.
في إطار تلك الزيارة، تأسس مجلس تنسيق رفيع المستوى، لتحديد فرص التعاون في مجالات التجارة والبنية التحتية والاستثمارات الإستراتيجية.
يرى خبراء تحدثوا لـ "الاقتصادية" أن هذه الزيارة تجاوزت حدود التجارة والاستثمارات الثنائية إلى مستويات متعددة الأطراف.
فإندونيسيا، بوصفها أكبر اقتصاد في رابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان"؛ والسعودية، باعتبارها أكبر اقتصاد في العالم العربي؛ "أوجدتا إطارا جديدا للتعاون من خلال قمة آسيان ودول الخليج التي عقدت في جاكرتا في سبتمبر الماضي"، بحسب الأستاذ ويندسور فينست، أستاذ الاقتصاد الآسيوي والاستشاري السابق للرابطة.
هذا الإطار "يستهدف تعزيز التجارة والاستثمار والتنمية المستدامة، لا سيما وقد بلغت التدفقات التجارية بين رابطة الآسيان ودول مجلس التعاون الخليجي 123 مليار دولار، تمثل 8% من إجمالي تجارة بلدان مجلس التعاون الخليجي"، وفقا لما قاله فينسنت لـ "الاقتصادية".
إندونيسيا تقود "آسيان" إلى حراك أوسع مع السعودية
يرى فينسنت أن إندونيسيا "تقود قاطرة الآسيان نحو حراك اقتصادي أوسع مع السعودية"، مستدلا على ذلك بمفاوضات اتفاقية التجارة الحرة المقترحة بين دول الرابطة ودول منطقة الخليج.
فإندونيسيا، من وجهة نظره، ولكونها الاقتصاد الأكبر في الرابطة، "تعمل على توظيف تعاونها مع السعودية لخدمة مصالحها الاقتصادية المباشرة من جانب، ولدعم مصالح الدول الصغيرة في الرابطة بطريقة تسهل وصول منتجاتها الزراعية وخدماتها الرقمية وسلعها إلى الأسواق الخليجية عبر السعودية من جانب آخر."
"في الوقت ذاته، تعيد السعودية صياغة طبيعة علاقاتها الاقتصادية مع إندونيسيا وآسيان؛ لتتجاوز شراكتها التقليدية في الطاقة والتجارة إلى شراكات تمتد في سلاسل التوريد المعقدة والاقتصاد الرقمي"، بحسب فينسنت.
السعودية تعزز قدراتها الرقمية وتعاونها مع "آسيان" من بوابة إندونيسيا
استهدفت الاستثمارات السعودية قطاع مستحضرات التجميل والشركات الناشئة في التكنولوجيا المالية في إندونيسيا، وفقا لأستاذ الاقتصاد الآسيوي، والاستشاري السابق لرابطة "آسيان".
الخبير الاستثماري بوب غريفيث يؤكد بدوره أن الرياض ترى في الاستثمار في الاقتصاد الإندونيسي "فرصة لنقل التكنولوجيا وتعزيز القدرات الرقمية، انسجاما مع إستراتيجيتها للتحول الرقمي، ورؤية إندونيسيا الذهبية 2025 للنمو المستدام والشامل".
تنظر السعودية في الوقت ذاته إلى إندونيسيا "كمنصة لتعزيز التعاون بين دول الخليج وآسيان، الأمر الذي أسهم في ارتفاع الاستثمارات الخليجية في جنوب شرق آسيا إلى أكثر من 15 مليار دولار العام الماضي"، بحسب جريفيث.
يظهر ذلك تحولا إستراتيجيا بين الجانبين؛ فبينما تدرك دول الخليج ديناميّة أسواق "آسيان" ودور إندونيسيا كممر رئيسي، تنظر الرابطة إلى رؤوس الأموال والاستثمارات السعودية، بوصف المملكة شريكا أساسيا في تحديث البنى التحتية، وتعزيز التكنولوجيا، ودعم الاستثمارات الخضراء.
تتوقع الدكتورة أماندا ويليام، أستاذة التجارة الدولية، أن المستقبل القريب سيشهد "مزيدا من التآزر بين السعودية وإندونيسيا، بدعم من دول آسيان ومجلس التعاون الخليجي".
وقالت لـ "الاقتصادية" إن هذا "يسهم في إعادة ترتيب خريطة الاقتصاد الإقليمي، من خلال مشاريع مشتركة في الاقتصاد الرقمي والتصنيع المتقدم."