أمريكا المثقلة بالديون تتطلع إلى اتفاقات تجارية مع الشركاء وعينها على عوائد الرسوم
ساعات فقط تفصل شركاء الولايات المتحدة التجاريين عن الموعد النهائي لفرض الرسوم الجمركية التي وصفها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بـ "المتبادلة"، وقال إنها ستُفرض لا محالة، بنسب قد تصل إلى 70%، ما لم يتوصل هؤلاء الشركاء إلى اتفاقيات مع بلاده.
عندما تعهد ترمب بزيادة الرسوم على السلع الواردة إلى بلاده، كان يقول إن الدافع هو تحقيق التوازن التجاري لصالح الولايات المتحدة، التي يرى أنها تُعامل معاملة ظالمة، ممنيا جمهور ناخبيه باقتصاد قوي يعيدها إلى مجدها، ويردّ لها صناعات كان قد أفل نجمها، ويفتح أبواب عصر رفاه مليء بالفرص.
ترمب يرى أن حصيلة هذه الرسوم ستعزز خزينة بلاده المثقلة بأعباء الديون وعجز متنام في الموازنة، بأموال تحتاجها لحل المعضلة المتفاقمة، خصوصا بعد إقرار "القانون الكبير والجميل" الذي يتضمن تخفيضات ضريبية هائلة ويحتاج تمويلا ضخما.
بينما بلغ العجز في ميزانية الحكومة الاتحادية الأمريكية العام الماضي 1.8 تريليون دولار، بزيادة 8% عن عام سبق، فمن المأمول أن تعزز الرسوم الجمركية خزينة الولايات المتحدة بمليارات الدولارات.
ورغم عدم كفاية هذه الرسوم على عظمها لحل المعضلة، فإن ضآلة النتائج المتحققة أمام الآمال التي رسمتها خطط الرئيس الأمريكي وأمهل من أجلها الشركاء 90 يوما، تظهر أن المسافة بين الواقع والحلم بجعل "أمريكا عظيمة من جديد" تتسع كلما خطا ترمب خطوة على هذا الطريق.
فحتى اليوم، لم يتوصل أي من شركاء الولايات المتحدة التجاريين إلى هكذا اتفاقات، سوى المملكة المتحدة وفيتنام؛ أما الصين فتوافقت مع الولايات المتحدة على تدابير مؤقتة لخفض الرسوم المبادلة، لا ترقى إلى مستوى الاتفاق التجاري.
مقاومة شركاء أمريكا التجاريين مستمرة
يظهر المشهد الدولي استمرار معارضة شركاء الولايات المتحدة التجاريين لرسوم ترمب الجمركية وإصرارهم على مقاومتها، رغم عدم رغبتهم في صدام مباشر مع الرئيس.
أحدث المؤشرات على هذا التوجه كان بيان دول مجموعة "بريكس" الذي عبرت فيه عن مخاوف جمّة من تزايد الإجراءات الجمركية التي تؤثر سلبا في التجارة العالمية.
بيان المجموعة، التي تشكّل نحو 40 من الناتج المحلي العالمي وتضم كلا من الصين وروسيا والهند، ذهب إلى أبعد من ذلك في قدحه، فوصف الرسوم الجمركية بأنها "غير قانونية وتعسفية"، وحذر من أنها تسهم في تعطيل سلاسل التوريد وتشويه التجارة العالمية. لكنه تجنب الإشارة المباشرة إلى الولايات المتحدة، خشية إغضاب ترمب.
دبلوماسية الخطاب في بيان المجموعة ذات الـ 11 عضوا لم تكف للحيلولة دون إثارة سيد البيت الأبيض، الذي ما لبث أن هدد دول المجموعة بفرض رسوم إضافية نسبتها 10% على أي دولة تتبنى سياساتها "المعادية للولايات المتحدة".
أما الاتحاد الأوروبي، الذي كان ترمب قد هدد بفرض رسوم جمركية نسبتها 50% على واردات بلاده منه، فيبدو حائرا بين أمرين؛ إما التوصل إلى اتفاق مهما كانت تكلفته، لتجنب حرب تجارية "أو أن يستعرض عضلاته إذا كان الاتفاق المأمول غير جيد بما فيه الكفاية"، وفقا لما نقلته صحيفة "الجارديان" البريطانية عن مسؤول أوروبي.
أمريكا تتشبث بالأمل وتفتح لنفسها وشركاءها نافذة جديدة
بعد أن أوشكت مهلة التسعين يوما على النفاد بالكامل، خرج وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت ليقول إن الرسوم الجمركية ستطبق من أول أغسطس المقبل ما لم يتم التوصل إلى اتفاقات.
ومع تأكيد بيسنت على أن هذا التاريخ "ليس موعدا نهائيا جديدا" فإن عدم التطبيق الفوري للرسوم في الموعد المقرر سلفا يظهر تمسك الولايات المتحدة بالأمل، خصوصا مع قول بيسنت إن الاتحاد الأوربي "يحقق تقدما جيدا بعد بداية بطيئة".
وتأمل الولايات المتحدة في أن تؤمّن لها اتفاقيات تجارية على غرار تلك التي وقعتها مع المملكة المتحدة وفيتنام نافذة تحقق لها التوازن التجاري، وفي الوقت ذاته توفر مزيدا من المال الذي تحتاجه.
يمنح الاتفاق مع المملكة المتحدة الشركات الأمريكية "وصولا غير مسبوق" إلى الأسواق البريطانية، بحسب البيت الأبيض، فضلا عن أن لندن ستقلص بعض الرسوم "التي تحدث تمييزا غير عادل ضد المنتجات الأمريكية" وتلغي بعضها الآخر.
في المقابل، يشمل الاتفاق رسوما بنسبة 10% على معظم المنتجات البريطانية الواردة إلى الولايات المتحدة. تظهر بيانات أن إيرادات الرسوم الجمركية زادت 4 أمثال على أساس سنوي في مايو الماضي، مسجلة رقما قياسيا بلغ 24.2 مليار دولار.
غير أن التخفيضات الضريبية التي وضعها ترمب في قانونه تحتاج أن تكون التعريفات الجمركية أعلى بكثير من المستويات التاريخية التي حددتها إدارته، بحسب شبكة "سي إن إن". كما أن تحقيق التوازن في التجارة مع الشركاء يحتاج وقتا كثيرا لإعادة توطين كثير من الصناعات المهاجرة.