نصف الكوب الفارغ .. الذكاء الاصطناعي قد يحمل أخطارا جمّة على بنية الأسر
بينما يرى متخصصون أن ثورة الذكاء الاصطناعي الحالية قد تؤدي إلى إعادة تعريف هيكل الأسرة على نحو قد يمس جوهره بشكل مباشر، يتبنى البعض رؤية متفائلة، تبدد المخاوف بشأن تقلص عدد السكان وتلقى صدى لدى الشباب الصينيين.
في البلد الآسيوي، البالغ تعداد سكانه أكثر من 1.4 مليار نسمة، ينظر الشباب إلى الزواج كعبء، خاصة مع ارتفاع تكاليف إنجاب الأطفال وتنشئتهم، والحاجة إلى تخصيص مزيد من الوقت لرعاية الأسرة، في حياة مزدحمة بمشاغل العمل.
كان استطلاع للرأي أُجرى 2021، وشمل نحو 3 آلاف من سكان مدن الصين، أظهر أن حوالي 44% من النساء غير المتزوجات في الفئة العمرية بين 18-26 سنة، إما لا ينوين الزواج أو تساورهن شكوك بشأن إمكانية الإقدام على هذه الخطوة.
كذلك، عزز التقدم التكنولوجي من ثقة كثير من الشباب في إمكانية مواجهة تحديات العيش بمفردهم، دون الحاجة إلى شريك.
يرى من يتبنون هذه النظرة أن التقنيات الحديثة، وفي مقدمتها الذكاء الاصطناعي، تلبي احتياجات مثل الدفء الأسري ورعاية كبار السن، وهي احتياجات لطالما ارتبطت في المجتمع الصيني بالزواج والأسرة.
هذه النظرة تُسهم في تراجع معدلات الولادة في المجتمع المعاصر، بحسب صحيفة "ساوث تشاينا مورنينج بوست".
نصف كوب التكنولوجيا الممتلئ في زمن الذكاء الاصطناعي
على الرغم من التحذيرات بشأن التداعيات السلبية على تركيبة المجتمع، جراء الاكتفاء الذاتي للشباب الذاتي واستغنائهم عن مفهوم الأسرة، يرى الأستاذ في جامعة بكين، والباحث البارز في علم الديموغرافيا لي جيان شين أن هذا التحول التكنولوجي قد لا يكون سيئا بالضرورة.
يعتبر جيان شين أن ثورة الذكاء الاصطناعي تحمل في طياتها إمكانية إعادة تعريف جوهري للحياة وهيكل الأسرة، على نحو قد يمحي المخاوف التقليدية بشأن تقلص عدد السكان وشيخوخة المجتمع.
ويقول إن شيخوخة المجتمع هذه "قد لا تُمثل بالضرورة مشكلة في المستقبل. فبفضل التقدم التكنولوجي، قد تظهر حلول جديدة؛ وقد يكون هذا خبرا سارا للدول التي تُعاني انخفاضا في النمو السكاني، خاصة الصين".
انخفضت معدلات الولادة والوفاة في معظم دول العالم، بفعل التصنيع والتحضر الواسع النطاق. هذا التحول كان أكثر حدة وسرعة في الصين، بسبب سياسات عدة، ولا سيما سياسة الطفل الواحد، التي ألغيت قبل أقل من 10 سنوات. ولعبت التحولات الاقتصادية والثقافية دورا في هذا الأمر.
بعد أكثر من 30 عاما من تسجيل معدلات إنجاب أقل من المستوى المطلوب لتعويض السكان، بلغ عدد سكان الصين ذروته في 2021 عند 1.426 مليار نسمة، قبل أن يبدأ في التراجع.
في الوقت نفسه، انكمش عدد السكان في سن العمل (16-59 عاما) بأكثر من 70 مليونا في الأعوام الـ12 الماضية. كذلك، تتسارع معدلات الشيخوخة في المجتمع الصيني بوتيرة تفوق مثيلتها الدول المتقدمة، ما يهدد بتداعيات اقتصادية واجتماعية طويلة الأمد.
في ورقة بحثية نُشرت في مجلة "جينيانج" الأكاديمية الصينية مطلع العام الجاري، بيّن جيان شين بعض الآثار المحتملة للتقدم السريع في تقنيات الذكاء الاصطناعي على حجم وتركيبة السكان في المستقبل.
التلقيح الاصطناعي من بين المجالات التي يُطبق فيها الذكاء الاصطناعي، وفقا للبحث؛ وإذا ساعدت هذه التقنيات الحديثة القائمة على الذكاء الاصطناعي في تحديد الأجنة عالية الجودة وتحسين معدل نجاح التلقيح الصناعي، فقد تُؤدي إلى زيادة معدل المواليد.
بيد أن الدراسة تُقر أيضا بأن هذا التقدم التكنولوجي قد يكون له تأثير محدود في زيادة معدلات الخصوبة، بناء على الأبحاث الحالية.
نصف الكوب الفارغ قد يحمل أخطارا كارثية
هناك احتمال آخر في أن تؤدي الروبوتات الذكية أدورا أسرية مستقبلا، مكونة هياكل أسرية جديدة تجمع بين "البشر والآلات".
يرى جيان شين في البحث أن "التعايش بين البشر والآلات الذكية يُمكن أن يُحدث نقلة نوعية في العلاقات الاجتماعية البشرية".
لكن الأستاذة في كلية السكان والصحة في جامعة "رينمين" الصينية لي تينج تحذر من أن الذكاء الاصطناعي قد يقلّل من رغبة الناس في الزواج وإنجاب الأطفال، من خلال توفير أنظمة دعم أفضل.
وقالت: "في الوقت نفسه، ستساعد الابتكارات على التكنولوجيا الطبية، التي يُعززها الذكاء الاصطناعي، على إطالة متوسط العمر المتوقع، ما يُفاقم شيخوخة السكان"، بحسب ما نقلته عنها مجلة "بيبولز تريبيون".
يحذّر بعض الخبراء من أنه في سيناريو متطرف وطويل الأمد، قد يُؤدي الذكاء الاصطناعي إلى انخفاض كارثي في عدد سكان العالم خلال القرون القليلة المقبلة.
البروفيسور سوبهاش كاك، أستاذ علوم الحاسوب في جامعة "أوكلاهوما" الأمريكية، من بين من حذروا من احتمال حدوث تراجع كارثي في عدد سكان العالم خلال القرون المقبلة.
وقال في مقابلة نشرتها صحيفة "ذا صن" البريطانية: إن عدد سكان العالم قد يتراجع من 8 مليارات حاليا إلى أقل من 100 مليون بحلول 2300.
سلط كاك الضوء على أن أجهزة الكمبيوتر أو الروبوتات ستتولى "كل ما نفعله، لأن معظم ما نقوم به في حياتنا يمكن استبداله".
وقال: "لقد توقف الناس عن الإنجاب في أوروبا والصين واليابان. وأسرع انخفاض في عدد السكان يحدث حاليا في كوريا الجنوبية".