أسعار الأسمدة العالمية تشتعل ولهيبها يمتد للمنتجات الزراعية .. اليوريا في المقدمة

أسعار الأسمدة العالمية تشتعل ولهيبها يمتد للمنتجات الزراعية .. اليوريا في المقدمة

أفرزت التوترات في الشرق الأوسط تقلبات في أسعار الأسمدة العالمية، حيث تضطلع المنطقة بدور رئيسي في إنتاج هذه السلعة وتصديرها إلى العالم، ولا سيما الأسمدة القائمة على النيتروجين مثل اليوريا والأمونيا، بفضل وفرة احتياطيات الغاز الطبيعي، وسط مخاوف من أن يمتد لهيب الأسعار إلى المنتجات الزراعية على نطاق واسع.

يعد الغاز مادة وسيطة رئيسية لهذه الأسمدة، ما يجعل المنطقة قادرة على المنافسة في السوق العالمية. ومن أبرز المنتجين السعودية، التي تحتل المرتبة الأولى عربيا والرابعة عالميا في تصدير الأسمدة، وتتطلع للوصول إلى المركز الأول أو الثاني قريبا، وفقا لما أكده لـ "الاقتصادية" في وقت سابق.

في مايو الماضي، بلغ سعر اليوريا مستوى ذروة عند نحو 500 دولار للطن الأمريكي (نحو 907 كيلوجرامات)، قبل أن يسير السعر في منحنى نزولي، ما لبث أن ارتد عنه مع اندلاع حرب الأجواء بين إيران وإسرائيل في 13 يونيو، والتي استمرت 12 يوما.

ووجه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب مطلع هذا الأسبوع ضربة إلى إيران، يقول إنها أتت على جميع منشآت برنامجها النووي وقضت عليه تماما، ليعلن بعد رد إيراني وصفه بالهزيل إنهاء الحرب بين الطرفين المتصارعين.

لكن الأسعار، التي أخذت منحنى صعود منذ تلك الحرب، لا يبدو هناك أفق واضح لنهاية منحناها هذا، أو نقطة ترتد عندها من جديد صوب الهبوط، خاصة في ظل القيود التي تفرضها الصين على صادرات الأسمدة لحماية سوقها المحلية.

ارتفاعات الأسعار، التي جاءت مدفوعة بمخاوف من اضطرابات في تجارة الأسمدة وسلاسل التوريد بفعل التوترات في المنطقة، ومن قبلها الحرب الروسية الأوكرانية، تثير قلقا بشأن الأمن الغذائي العالمي، خاصة في آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية.

وبينما تقف أسعار اليوريا حاليا فوق 400 دولار للطن الأمريكي، وفقا لبيانات "بلومبرغ"، فإن من المتوقع أن تخفف الصين القيود على صادراتها من الأسمدة هذا الشهر، وفقا لما نقلته "بلومبرغ" عن أشخاص وصفتهم بالمطلعين. فهل تسهم هذه الخطوة في خفض الأسعار؟

ارتفاع أسعار الأسمدة يحمل مخاطر على أمن الغذاء

يمكن أن يؤدي الارتفاع الكبير في أسعار الأسمدة إلى انخفاض غلة المحاصيل، وزيادة أسعار المواد الغذائية واحتمال انعدام الأمن الغذائي، خصوصا في المناطق التي تعتمد بشدة على الأسمدة، وفقا لخبراء تحدثوا لـ "الاقتصادية".

وبينما قد يستوعب كبار المزارعين بعض الزيادة في التكلفة، فإن صغار المزارعين، خصوصا في البلدان المنخفضة الدخل، قد يتأثرون بشكل غير متناسب بسبب انخفاض معدلات الاستخدام والتعرض لصدمات العرض.

وتعد الهند والاتحاد والبرازيل، إضافة إلى أوكرانيا، التي ما زالت في خضم صراع مع روسيا، من بين كبار مستوردي الأسمدة في العالم، وفقا لبيانات البنك الدولي.

يرى الدكتور أشرف كمال عباس، أستاذ الاقتصاد الزراعي في معهد البحوث الزراعية المصري، أن أسعار الأسمدة الزراعية مرشحة للارتفاع خلال العامين القادمين؛ ويتوقع أن تسجل أسعار المنتجات الزراعية بالتالي ارتفاعات تصل إلى 20% خلال عام.

وقال لـ "الاقتصادية": أسعار الأسمدة ظلت تسير في اتجاه صعودي خلال العامين الأخيرين، وهي تسهم بما يراوح بين 15 و20% من عملية الإنتاج الزراعي ككل. يحمل هذا مخاطر أمن غذائي، خاصة على الدول النامية، التي تعتمد على الاستيراد".

يستند عباس في رأيه إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية لم تضع أوزارها بعد، وهي التي أطلقت شرارة الارتفاع المطرد في أسعار الأسمدة بحسب قوله، كون روسيا أكبر مصدري الأسمدة في العالم.

يشير أستاذ الاقتصاد الزراعي أيضا إلى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، الذي يقدر حجم إسهامه في عملية إنتاج الأسمدة بنحو 70%، مع عدم أمكانية استبداله بوقود آخر "لأسباب تكنولوجية".

الصين تخفف القيود على صادرات اليوريا لكن في حدود

بينما تخطط الصين لتخفيف قيود تصدير الأسمدة، فإن الشركات الصينية ستظل خاضعة لحصص محددة.

وستبلغ حصة صادرات اليوريا في الأجل القريب مليوني طن فقط، وفقا لغافين تشو، المحلل في مجموعة "CRU GROUP". لكن هذا الرقم كثيرا عن أكثر من 4.25 مليون طن من اليوريا صدرتها الصين في عام 2023، وفقا لبيانات نشرها البنك الدولي.

كانت الصين حتى عام 2023 واحدة من أكبر مصدري اليوريا في العالم، قبل أن تفرض حظرا على صادراتها في يونيو من العام الماضي، سعيا إلى خفض أسعار الأسمدة في السوق المحلية، بهدف دعم المزارعين وتعزيز الأمن الغذائي.

وقد أسهمت القيود التي فرضتها على صادراتها من الأسمدة في إبقاء أسعارها ضمن "حدود معقولة"، وفقا لتشو، الذي يرى أن هذا بجعل هناك وجاهة في تخفيف القيود "مع أخذ التوافر والربحية المتحققة للمزارعين" الصينيين بعين الاعتبار.

غير أن الدكتور محمد سالم مشعل، أستاذ الاقتصاد الزراعية في كلية الزراعة بجامعة القاهرة، يرى أن أثر خطوة الصين قد يكون وقتيا، ثم ما تلبث أسعار الأسمدة أن ترتفع من جديد.

وقال لـ "الاقتصادية": "قد تنخفض الأسعار بعض الشيء، لكنها سترتفع من جديد؛ فالعامل الأساسي هو التوترات في المناطق الرئيسة المنتجة؛ الحرب الروسية الأوكرانية ما زالت مستمرة، والحرب بين إيران وإسرائيل وإن هدأت، فإن المنطقة ما زالت تعاني من توترات".

الأكثر قراءة