خريطة الديون العربية.. أي الدول تتحمل العبء الأكبر والأقل؟
في ظل تصاعد الأزمات الاقتصادية والجيوسياسية وتقلّب أسعار الطاقة وتباطؤ النمو، باتت الديون العامة تمثل هاجسا متزايدا في العديد من الدول العربية، لتتحول من أداة تمويل إلى عبء يهدد الاستقرار المالي والاجتماعي.
وبينما تسعى بعض الحكومات إلى احتواء العجز من خلال الاقتراض، تواجه أخرى ضغوطا متنامية بفعل ارتفاع تكاليف خدمة الدين، وضعف الإيرادات، وتقلص فرص التمويل الخارجي بشروط ميسرة.
في هذا الموضوع، نرصد خريطة الديون في العالم العربي لنعرف من هي الدول التي تسير على حافة الخطر؟ ومن تلك التي ما زالت تتمتع بهوامش أمان مالية؟ وما الآثار المحتملة لتلك الديون على اقتصادات المنطقة؟
ما مستويات الدين العام في الدول العربية؟
يتباين حجم الدين العام للدول العربية بناءً على احتياجاتها التمويلية، المتمثلة في حجم الإنفاق المطلوب، ومواردها المالية، مثل الضرائب والرسوم وإيرادات الصادرات والسياحة. وتستخدم الجهات المالية والاقتصادية نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي لقياس قدرة دولة ما على تحمل عبء الدين وسداده.
ووفقاً لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي 2025 الصادر عن صندوق النقد الدولي في أبريل، بلغت النسبة، على سبيل المثال، في السعودية 29.9%، والإمارات 32.1%، والعراق 42.9%، ومصر 90.9%، والجزائر 46.02%.
ما أكبر الدول العربية ديوناً؟ ولماذا؟
بحسب تقرير صندوق النقد، السودان هو الأعلى ديوناً بين الدول العربية، إذ بلغت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي 272% في 2024، ويُتوقع تراجعها إلى 252% هذا العام.
يأتي ذلك بعدما عانى السودان خلال العقود الماضية إفراطا في الاستدانة، وتراكم الديون وفوائدها، وسوء الإدارة، إلى جانب العقوبات التي فُرضت عليه لأسباب سياسية، وقيدت قدرته على الحصول على التمويل الدولي.
كما كان لانفصال جنوب السودان في 2011 تبعاته، إذ أدى إلى انخفاض حاد في الصادرات النفطية والإيرادات الحكومية، فخسر السودان نحو 75% من إنتاج النفط، و66% من صادراته، ونصف الإيرادات الحكومية، بحسب تقرير للبنك الدولي في سبتمبر 2020.
كما أدت الاضطرابات السياسية بعد 2019 التي أطاحت بعمر البشير، والحرب الأهلية التي تدور رحاها في البلاد منذ أكثر من عامين إلى تقويض المناخ الاقتصادي والاستثماري في البلاد.
كم يبلغ نصيب الفرد من ديون الحكومات العربية؟ - المصدر: بلومبرغ
وفي المرتبة الثانية يأتي لبنان، حيث بلغت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي 164.13%، فقد عمدت الحكومات المتتالية إلى الاقتراض لتمويل عملية إعادة الإعمار بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية في 1990، وشهدت البلاد أزمة سياسية واقتصادية منذ نهاية 2019، تسببت في انهيار الاقتصاد وتزايد معدلات الفقر، وعجزاً ضخماً في ميزان المدفوعات.
واندلعت شرارة الأزمة المالية غير المسبوقة بسبب السحوبات الكبيرة من الودائع، أعقبها تخلف الدولة عن سداد سندات اليوروبوند في مارس 2020، وازدادت الأوضاع الاقتصادية سوءاً خلال جائحة كورونا، ثم انفجار مرفأ بيروت.
منذ ذلك الحين، توقف لبنان عن سداد جميع التزاماته من مدفوعات سندات اليوروبوند بانتظار إعادة الهيكلة.
تحل البحرين في المركز الثالث بين الدول العربية الأعلى ديوناً، إذ بلغت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي 134% في العام الماضي، ويُتوقع أن ترتفع إلى 141.4% في 2025. وتعرضت المملكة، صاحبة أصغر اقتصاد بين دول مجلس التعاون الخليجي، لضغوط على مواردها المالية إثر انخفاض أسعار النفط في 2014، ومرة أخرى خلال جائحة كورونا، رغم حصولها على حزمة إنقاذ بنحو 10 مليارات دولار من السعودية والكويت والإمارات في 2018، دعماً لبرنامج التوازن المالي.
ودفع ارتفاع ديون البحرين وزيادة العجز المالي وكالتي فيتش و"إس آند بي جلوبال ريتنيجر" إلى خفض النظرة المستقبلية للمملكة من مستقرة إلى سلبية خلال العام الجاري.
أما في الأردن، بلغت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي 95.9% خلال 2024، ويُرتقب أن تتراجع إلى 92.55% هذا العام، بحسب صندوق النقد، وبعد أن تراجع الدين العام بمعدل كبير منذ التسعينيات حتى 2007، عاد للارتفاع ثانية منذ 2009، نتيجة استمرار العجز المالي وارتفاع عجز الميزان الجاري، بالتزامن مع ضعف النمو الاقتصادي، والاعتماد على التمويل الخارجي في سد عجز الموازنة.
وزادت الضغوط على الاقتصاد الأردني نتيجة سلسلة من الأحداث الإقليمية، مثل حرب العراق، وثورات الربيع العربي، والنزاع السوري، وتدفق اللاجئين، ثم جائحة كورونا، وحرب إسرائيل على غزة. ما زاد الأعباء على بلد يعاني بالفعل شحاً في الموارد، وارتفاعاً في فاتورة الطاقة، وتراجعاً في معدلات السياحة والاستثمار.
وفي مصر، تشير بيانات صندوق النقد إلى أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي بلغت 90.93% في 2024، وأنها ستنخفض إلى 86.59% العام الجاري.
وتوالت الضغوط على أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان خلال السنوات الماضية، من بينها استنزاف الاحتياطيات الأجنبية بعد ثورتي 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، والعجز المستمر في الموازنة، وارتفاع تكاليف خدمة الديون، والاعتماد على التمويل الخارجي في سد العجز المالي، إلى جانب الجائحة، وارتفاع أسعار واردات الطاقة، والتوترات الجيوسياسية في المنطقة، مثل حرب إسرائيل على غزة التي انعكست على إيرادات قناة السويس في ظل الهجمات التي شنتها جماعة الحوثيين على السفن عند مضيق باب المندب.
يُذكر أن الدول العربية ذات نسب الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي المرتفعة تشمل أيضاً تونس 83.1%، واليمن 70.94%، والمغرب 70.03%، وفق بيانات صندوق النقد عن 2024.
ما الدول العربية الأقل ديوناً؟
تُعد الكويت الدولة العربية الأقل ديوناً، بنسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي عند 3.04%، ويتوقع صندوق النقد أن ترتفع هذه النسبة إلى 7.35% هذا العام.
اضطرت الكويت، التي تعتمد بشكل كبير على النفط، إلى اللجوء للسحب من "صندوق الاحتياطي العام" الذي تقلّصت موارده، لتمويل العجز في الميزانية. وفي العام الماضي، باع الصندوق بعض الأصول إلى "صندوق الأجيال القادمة" الذي يُدار معه من قبل "الهيئة العامة للاستثمار في الكويت" (KIA).
جدير بالذكر أن الكويت تمهد لجمع 6 مليارات دولار من أسواق الدين الدولية عبر طرح سندات مقومة بالدولار، بعد أن أقرّت الحكومة في مارس قانوناً طال انتظاره يمهد الطريق أمام الدولة الخليجية لبيع أدوات دين دولية لأول مرة منذ 2017، بعد أن كان التشريع معطّلاً لسنوات بسبب الخلافات السياسية. ويسمح القانون بحدّ أقصى للديون يبلغ 30 مليار دينار كويتي (نحو 98 مليار دولار) على مدى 50 عاماً.
في المرتبة الثانية تحل السعودية، بنسبة 29.9%، ويُتوقع ارتفاع هذه النسبة إلى 34.85% في 2025، بحسب الصندوق. وطرقت السعودية أبواب الاقتراض الخارجي لأول مرة في 2016 لتمويل عجز الموازنة، ومشروعات "رؤية 2030". غير أن الإيرادات النفطية، التي مثلت 60.1% من إيرادات الميزانية الفعلية في 2024، وزيادة الاعتماد على القطاع الخاص، وترشيد الإنفاق كلها عوامل ساعدت على الحفاظ على نسبة منخفضة للدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي.
أما بالنسبة للعام الجاري، فأعلنت السعودية أن إجمالي الدين العام في نهاية مارس 2025 بلغ 354.3 مليار دولار بنسبة 30.5% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2024.
وقال جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، إن السعودية لديها مستوى منخفض من الديون بفضل السياسات المالية التي اتبعتها خلال السنوات الأخيرة، ودعمها لقوة القطاع الخاص مما قلص الثقل على عاتق الحكومة، إلى حد ما، كما أن سياسات التنويع الاقتصادي ساعدت السعودية في أن يكون لديها قاعدة مالية أكثر استقراراً وغير مرتبطة بتقلبات سعر النفط، كما أشاد الصندوق باتجاه السعودية نحو إعادة تحديد أولويات الإنفاق.
تأتي الإمارات في المركز الثالث بنسبة 32.1% في 2024، يتوقع الصندوق أن تصل إلى 32.8% هذا العام. وبفضل تحولها إلى مركز عالمي للتجارة والاستثمار والمال، وفائض بنسبة 7.1% من الناتج المحلي الإجمالي في ميزانية 2024، وصافي أصول أجنبية بلغ 157% من الناتج المحلي في 2024، بحسب تقديرات وكالة "فيتش ريتينجز" في تقرير صدر في 24 يونيو عن تأكيد التصنيف الائتماني لدولة الإمارات عند (AA-) مع نظرة مستقرة ، إلى جانب تنويع الاقتصاد، حافظت الإمارات على نسبة معتدلة من الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي.
هل تؤثر الديون على النمو الاقتصادي؟
بالتأكيد، لكن هناك اختلافاً بين المحللين الاقتصاديين بشأن مدى حجم التأثير الذي يتركه الدين العام على نمو الناتج المحلي الإجمالي.
وتشير دراسة نشرها صندوق النقد في أبريل 2022 إلى أن الارتفاع المفاجئ لنسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي يؤثر سلبياً في معدل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الدول ذات مستويات ديون أولية مرتفعة (high initial debt level)، ومسار صعودي للديون خلال السنوات الخمس السابقة.
في المقابل، فإن الدين العام يدعم الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للدول منخفضة الدخل التي أتمت تخفيف أعباء الديون في ظل المبادرة المعنية بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون (HIPC). ويجب أخذ خصائص كل دولة في الحسبان لتقييم أثر ارتفاع الدين العام على الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي.
ولفتت الدراسة إلى أنه في حالة استخدام الدين العام في الاستثمارات الحكومية، يرجح أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع النمو لاحقاً، لكن يمكن توجيه الدين إلى استخدامات أخرى، مثل تمويل تخفيضات ضريبية أو أوجه إنفاق حكومي أخرى.
وخلُصت الدراسة إلى 3 نتائج؛ الأولى: أن الدول منخفضة الدخل تستطيع الاستفادة من زيادة نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي. والثانية: أن خفض مستويات الديون الأولية، أو الاستمرار في مسار خفض الدين، يعزز من احتمال استفادة الدول من مزيد من القروض. والثالثة: أن المشاركة في المبادرة المعنية بالدول الفقيرة المثقلة بالديون يزيد قدرة البلاد على الاستفادة من قروض إضافية.
من جهة أخرى، خلُصت دراسة نشرها "صندوق النقد العربي" في مارس 2024 إلى أن الدول العربية متوسطة ومرتفعة الدخل نجحت في استغلال الدين العام لتحسين النمو المحتمل على المدى الطويل، وتجاوز التبعات السلبية على المدى القصير. أما في الدول العربية منخفضة الدخل، فلا يوجد دليل على أن المديونية العامة تساعد على تحسين النمو الاقتصادي على المدى القصير أو الطويل.
بشكل عام، العبرة هنا بأوجه إنفاق الديون، فاستخدامها في الاستثمار، وإنشاء وتطوير البنية التحتية، والمشاريع المنتجة للسلع والخدمات، والتعليم، والصحة، يؤدي بطبيعة الحال إلى ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي على المدى المتوسط والطويل. بينما تخصص الدول مرتفعة المديونية جزءاً كبيراً من إيراداتها لسداد أقساط الديون وفوائدها.
على الجانب الآخر، فإن ارتفاع الدين العام، لا سيما الدين الخارجي، يترك الدول المقترضة أكثر عُرضة للصدمات الخارجية، مثل ارتفاع أسعار الفائدة العالمية وتقلبات أسعار الصرف، والتوترات الجيوسياسية، مثلما انعكست حرب إسرائيل على غزة وما تبعها من هجمات شنها الحوثيون على السفن في باب المندب على إيرادات مصر من قناة السويس والسياحة، ما يفاقم أعباء الديون وخدمتها.
ما دور صندوق النقد والبنك الدولي في المنطقة العربية؟
إلى جانب مشاورات المادة الرابعة، يعزز صندوق النقد شراكته الإستراتيجية مع دول الخليج، ويدعم جهود تحول وتنويع الاقتصاد، ويقدم المشورة في السياسات المالية والاقتصادية، ويتابع الإصلاحات في هذين المجالين.
وأشادت كريستالينا جورجييفا، المديرة التنفيذية للصندوق، بمنطقة الخليج باعتبارها نقطة مضيئة في الاقتصاد العالمي، خلال كلمتها في دبي في فبراير الماضي. ولفتت إلى أن نجاح المنطقة لم يأت من فراغ، وأنه نتيجة لتكثيف الدول جهود تنفيذ إصلاحات صعبة، لكنها ضرورية، تشمل تنويع مصادر الإيرادات الحكومية، وتحسين بيئة الأعمال، وتعزيز قدرة الحصول على التمويل، وزيادة مرونة أسواق العمل، ورفع مشاركة المرأة.
في المقابل، قدم الصندوق خطط إنقاذ مالي وأبرم اتفاقيات قروض في السنوات التالية للربيع العربي، فوافق المجلس التنفيذي للصندوق، في أبريل 2012، على صرف نحو 93.75 مليون دولار لليمن في إطار التسهيل الائتماني السريع (Rapid Credit Facility). كما وافق في أغسطس من العام نفسه على قرض للأردن بقيمة 2.05 مليار دولار بموجب اتفاق استعداد ائتماني (Standby Agreement)، وآخر للمغرب بقيمة 6.2 مليار دولار بموجب خط الوقاية والسيولة (Precautionary and Liquidity Line).
كذلك وافق المجلس التنفيذي للصندوق، في نوفمبر 2016، على حصول مصر على قرض بقيمة 12 مليار دولار بموجب "تسهيل الصندوق الممدد" (Extended Fund Facility)، سمح بصرف نحو 2.75 مليار دولار مباشرة. وفضلاً عن قرض آخر في يونيو 2020 بقيمة 5.2 مليار دولار، و2.8 مليار دولار من مخصصات حقوق السحب الخاصة في أغسطس 2021، كما اتفقت مصر مع الصندوق على زيادة قيمة برنامج تمويل من 3 مليارات دولار إلى 8 مليارات دولار في مارس 2024، بموجب اتفاق الصندوق الممدد، بعد ساعات من سماح البنك المركزي المصري بتخفيض سعر صرف الجنيه مقابل الدولار.
غير أن صرف الصندوق دفعات القروض يرتبط بمراجعات دورية لتقييم مدى التقدم المحرز في الإصلاحات الهيكلية والسياسات الاقتصادية والمالية التي تمثل جزءاً لا يتجزأ من برنامج التمويل.
أما مجموعة البنك الدولي، فكشفت أن إجمالي التزاماتها الجديدة في المنطقة خلال السنة المالية المنتهية في 30 يونيو 2024 بلغ 4.6 مليارات دولار لتمويل 17 نشاطاً. ومن بين البرامج التي تلقت دعماً مالياً من البنك في الآونة الأخيرة:
تقديم 500 مليون دولار لمصر لتوسيع وتعزيز "تكافل وكرامة"، برنامج شبكة الأمان الاجتماعي الرئيسي، الذي يشمل 4.6 مليون أسرة تضم ما يزيد على 18 مليون شخص، تمثل المرأة نحو ثلاثة أرباعهم. ويهدف التمويل الإضافي إلى زيادة تغطية البرنامج وفعاليته.
كما تمت الموافقة في يونيو 2023 على برنامج كبير بقيمة 450 مليون دولار في المغرب لتعزيز الشمول المالي وريادة الأعمال الرقمية، كما تدعم المبادرة تعزيز البنية التحتية للمدفوعات الرقمية. وأدى هذا البرنامج إلى ارتفاع معدلات الحصول على هذه الخدمات إلى 44% في 2023، مقابل 20% في 2017.
ويضاف ذلك إلى الموافقة على تمويل إضافي بقيمة 150 مليون دولار للمشروع الطارئ لرأس المال البشري في اليمن، ويُتوقع أن يستفيد من هذا المشروع ما لا يقل عن 19 مليون شخص، منهم 10 ملايين امرأة وفتاة. فضلاً عن تقديم 150 مليون دولار إضافية لمشروع الاستجابة الطارئة لتعزيز الحماية الاجتماعية والتصدي لجائحة كورونا، لمساعدة ملايين اليمنيين على مواجهة انعدام الأمن الغذائي المزمن، والقابلية للتعرض للآثار السلبية التي فاقمها الصراع المستمر، وعدم الاستقرار الاقتصادي، والصدمات المرتبطة بالمناخ.
هل تتجه دول المنطقة نحو أزمة ديون؟
وفق بيانات تقرير صندوق النقد الدولي المحدثة حتى عام 2025 قد تكون بعض دول المنطقة على أعتاب أزمة ديون بالفعل، بسبب نسبة الديون المرتفعة لديها مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي.
ولا تزال بعض الدول العربية تعاني من ضائقة مالية، كما اقترب بعضها بشدة من حافة التعثر عن السداد، في السنوات الأخيرة رغم تحسن أوضاعها نسبياً أخيرا.
فعلى سبيل المثال دخل لبنان بالفعل في أزمة ديون سيادية خلال عام 2019 نتيجة تخلفه عن سداد سندات دولية، لكنه حقق تقدماً جيداً في السنوات التالية، وفي بداية 2025 قال صندوق النقد في تصريحات لـ"الشرق" إنه "منفتح على برنامج دعم جديد برنامج دعم جديد للبنان حال طلبت السلطات ذلك.
وفي سورية هناك مشكلات مالية مستمرة رغم تحسن الأوضاع بعد الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد وتخفيف العقوبات الأمريكية إلى جانب تسوية متأخرات سورية للبنك الدولي على يد السعودية وقطر، ما يمهد الطريق لإعادة دمج سورية في النظام المالي العالمي.
كما لا يزال خطر الديون مرتفع في مصر، حتى مع اتجاهها نحو خفض الدين كنسبة من الناتج المحلي إلى نحو 87‑82 % هذا العام، إضافة إلى جذبها استثمارات خليجية من الإمارات والسعودية، ما ساعد على احتواء الأزمة رغم استمرار التحديات المتعلقة بتكلفة خدمة الدين.
في المقابل، يعيش السودان أزمة مركّبة تجمع بين الانهيار الاقتصادي والصراع المسلح، ما فاقم عبء الديون وأفقد الحكومة القدرة على السداد أو التفاوض مع الجهات الدائنة. وكان السودان قد قطع شوطاً كبيراً في مسار إعفاء الديون في إطار مبادرة "HIPC" عام 2021، لكنه عاد سنوات إلى الوراء بسبب الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي يمر بها حالياً.
أما جيبوتي، فبينما لم تدخل في أزمة ديون فعلية حتى الآن، إلا أنها تواجه ضغوطاً مالية متزايدة بسبب ارتفاع حجم الدين العام، الذي تجاوز 65% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024، معظمها ديون ثنائية من الصين. وتؤكد تقارير صندوق النقد أن البلاد في "خطر متوسط إلى مرتفع" من الوقوع في أزمة ديون، خاصة في ظل محدودية التنوع الاقتصادي واعتمادها الكبير على عائدات الموانئ والخدمات اللوجستية، ما يجعلها شديدة التأثر بأي تراجع في التجارة الإقليمية أو الدولية.
وكل ذلك يعطي مؤشرات على أن بعض الدول العربية تقترب بالفعل من الدخول إلى دائرة أزمات الديون ما لم تتخذ إجراءات اقتصادية صارمة قريباً، وتخفف من تكاليف خدمة الدين.