ما بعد الحدث الآثم .. البحث في داخلنا

محاولة اغتيال صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية في المملكة العربية السعودية تعتبر نقطة تحول مهمة في تاريخ محاربة الإرهاب لأسباب عديدة، منها أنه تغير في سلوك المؤسسة الإرهابية وفكرها ودليل قاطع على إفلاسها الفكري وضعفها المالي والإداري وتفككها القيادي وتحولها إلى مجموعة مرتزقة تحاول أن تستغل السذج ممن تم عزلهم والسيطرة عليهم فكريا ونفسياً وجسدياً وتحويلهم إلى أدوات فاسدة لتفجيرها في كل مكان وفي كل شخص، هذه المحاولة ربما تتكرر وتحدث بعض الضرر وتقتل بعض الأنفس البريئة، ولكنها بكل تأكيد لن تقتل أبداً إصرارنا ورغبتنا وطموحنا وعملنا الدءوب في اجتثاث هذا الفكر الضال المضل، كما أن هذا التصرف اللا أخلاقي واللا إنساني سيدفعنا جميعاً للوقوف صفاً واحدا لحماية وطننا من شرور هذه الفئة الحاقدة المريضة الكارهة لكل خير وتطور وعمل إسلامي حقيقي يعكس مكانة المملكة الراقي في مصاف دول العالم المتحضر، لأن مَن يقف خلف هذا العمل المشين فئة تريد أن يعيش المجتمع في الظلام الدامس يقاد كما تقاد الحيوانات في الحظائر والحقول، لأن هذا الظلام يعطيهم الفرصة للفساد والإفساد دون محاسبة وهو ما لن يتحقق بإذن الله.
الجانب المظلم في هذا الحادث الأليم هو استغلال قيادات ومجندي هذا الفكر الضال للشباب الذين يعيشون ظروفا أسرية أو مادية أو نفسية أو اجتماعية سيئة، بحيث يقومون بالالتفاف عليهم وعزلهم عن مجتمعهم واستغلال نقاط الضعف فيهم، بحيث يتم التحكم في أسلوب تفكيرهم وفي الوقت نفسه توفير ما يحتاجونه من متع الدنيا وتذكيرهم دائماً بما ينتظرهم في الجنة من النعيم والحور العين، وأن الله - سبحانه وتعالى - سيعوضهم عن الدنيا ومفاسدها بالجنة ونعيمها ثم يبدو في تقديم الجرعات التي تجعلهم ينظرون لكل من يعيش في محيطهم من أهلهم على أنهم خارجون على الدين ويزرعون في ذهنهم ثقافة التكفير، بحيث يبدو في تكفير المؤسسة الحكومية والعاملين فيها وبقية القطاعات حتى الوصول إلى تكفير والديهم وأخوتهم وأقاربهم على أساس أنهم جزء من المنظومة الكافرة ويدسون ذلك السم من خلال الاستشهاد بالآيات التي تؤكد أن الوالد الكافر ليس من أهلك والأبناء والزوجة جميعهم يأتون تحت مظلة الكفر، وبهذا يصلون بهؤلاء السذج إلى مرحلة كره الحياة والرغبة في الموت والذهاب إلى الجنة، وهم في خطواتهم هذه يستخدمون كل الطرق والأدوات المحللة والمحرمة للتأثير عليهم، ومنها مثلاً استخدام المخدرات والمؤثرات العقلية عليهم وتهديدهم وخداعهم حتى يحققوا لهم مرادهم.
الجانب المحزن في هذا الحدث هو أن بعض تلك القيادات والكثير من المجندين لهؤلاء السذج هم أناس يعيشون بيننا وينتمون لنا ويشاركوننا حياتنا اليومية ويعملون ضمن مؤسساتنا الحكومية والخاصة والخيرية، يراقبون كل شخص في مسجده ومدرسته وعمله وشارعه ويعملون ليل نهار من أجل استغلال كل من تنطبق عليه المواصفات التي وضعوها لاستغلال هؤلاء الأشخاص، يساعدهم على ذلك عدم تعاون عديد من أهالي هؤلاء السذج، حيث لا يقومون بإبلاغ الجهات المختصة عندما يغيب أبناؤهم عن منازلهم، كما لا يبلغ عنهم المسؤولون عنهم في المدارس ومؤسسات عملهم، وهذا يؤثر بشكل كبير في معرفة حجم من يتم تجنيدهم .
إن فئة المجندين لهؤلاء الشباب هم أكثر خطرا علينا من الشباب أنفسهم، ولهذا يعد معيار نجاحنا في محاربة الإرهاب وفكره ومؤسسته هو القضاء على المجندين للشباب، ولن تتضح لنا صورة النجاح إلا من خلال انخفاض أو بمعنى أدق انتهاء المجندين والمجندين في أبناء المملكة، ولعل في حادث الاعتداء الآثم على سمو الأمير محمد ما يؤكد أن خلية المجندين هي الأكثر خطرا على الأمن والاستقرار في المملكة، فكيف يقوم أخ بتجنيد أخيه بعد أن جند نفسه للشيطان ثم يرسله لمثل هذه المهلكة، والمؤلم حقا هي صورة الأب وهو يتألم لهذا الفعل الشنيع، وحقيقة ليس هناك عقوق أكثر من هذا يقدمه ابن لأبيه، قتل أخ وإفساد صورة أسرة في نظر المجتمع وتشويه لإنسان مسلم بسيط كان يأمل أن يبقى ابنه معه لإعانته على أمور دنياه ودينه، وصدق الله القائل ''إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم''.
يجب من اليوم وبعد هذا الإثبات القاطع على فساد المعتقد الديني والسلوكي والشخصي لهذه الفئة الضالة أن نقف جميعا في وجه كل من يعمل على تجنيد هؤلاء الشباب، ويجب أن يكون العقاب الواضح والصريح والرادع لكل من يساعدهم أو يستتر عليهم أو يتعامل معهم بأي شكل من الأشكال، سواء النقل أو الإسكان أو الإعاشة أو الإيواء، وأن يكون هؤلاء المساعدون لهم عبرة لكل من تسول له نفسه الإساءة لهذا البلد الأمين الحبيب.

وقفة تأمل:

أيثنى إلى وجه اللئيم بوجهه
ويرتد مزورا عن الحر جانبه
ويضرب أطناب المنى لي هازلا
وما أنا مخدوع بما هو ضاربه
وبيناه يبدي لي ابتسامة خادع
يقطب حتى لا تبين حواجبه
لقد أضحك غير الحليم شؤونه
وأبكت سوى عين السفيه نوانبه

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي