ازدياد حالة التشرذم والتكاليف الاقتصادية «2 من 3»
يوضح تحليل أجراه صندوق النقد الدولي أخيرا أن تشرذم التجارة في المعادن الحيوية من أجل التحول الأخضر، مثل النحاس والنيكل والكوبالت والليثيوم، من شأنه زيادة تكلفة عملية التحول في مجال الطاقة. ونظرا إلى أن هذه المعادن متمركزة جغرافيا وليس من السهل استبدالها، فإن تعطل تجارتها قد يؤدي إلى تقلبات كبيرة في أسعارها، وكبح الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة وإنتاج المركبات الكهربائية.
ما الذي يمكن أن يقدمه صناع السياسات للحيلولة دون وقوع السيناريوهات الاقتصادية الأسوأ في الحرب الباردة الثانية الشاملة؟ أمام نقطة التحول هذه، يواجه صناع السياسات مفاضلات صعبة بين خفض تكاليف التشرذم وتحقيق أقصى قدر من الأمن والصلابة. فالأمر يتطلب اتباع مناهج عملية تحافظ على منافع التجارة الحرة إلى أقصى حد ممكن، وتضمن إيجاد حلول للتحديات العالمية، مع العمل في الوقت ذاته على تقليل التشوهات إلى أدنى حد ممكن.
تتمثل أفضل الحلول، بطبيعة الحال، في تجنب التشرذم. غير أنه قد يكون من الصعب تحقيق ذلك في الوقت الحالي.
في ظل غياب السيناريو الأفضل، فإنه يتعين علينا أن نعمل على تجنب وقوع السيناريو الأسوأ، ونحمي التعاون الاقتصادي في ظل عالم بات أكثر تشرذما. وهناك ثلاثة مبادئ يمكن أن توفر المساعدة:
أولا، السعي إلى اتباع منهج متعدد الأطراف على أقل تقدير في المجالات ذات الاهتمام المشترك. فعلى سبيل المثال، من الممكن أن تضمن اتفاقية "الممر الأخضر" التدفق الدولي للمعادن الحيوية اللازمة للتحول إلى الطاقة النظيفة.
من الممكن أن تضمن اتفاقيات مماثلة بشأن السلع الغذائية والإمدادات الطبية الحد الأدنى من التدفقات عبر الحدود في عالم معرض للصدمات بازدياد. ومن شأن هذه الاتفاقيات حماية الأهداف العالمية المتمثلة في تجنب الدمار الناجم عن تغير المناخ وانعدام الأمن الغذائي والكوارث الإنسانية المرتبطة بالجوائح.
ثانيا، إذا عدت بعض عمليات إعادة تشكيل تدفقات التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر ضرورية لإزالة الأخطار والتنويع، فإن المنهج متعدد الأطراف غير التمييزي من الممكن أن يساعد الدول على تعميق التكامل، والتنويع، والتخفيف من حدة الأخطار على الصلابة.
ينبغي لصناع السياسات أن يحددوا عامة مجموعة الشركاء والحلفاء التي يجب أن تعمق معهم الشراكات الاقتصادية. ومن الممكن أن تقدم الاتفاقيات متعددة الأطراف التي تتسق مع منظمة التجارة العالمية، مثل اتفاقيات التجارة الإقليمية ومبادرات البيانات المشتركة التي تشكل بوضوح ثاني أفضل الاختيارات، عديدا من المنافع. وتتضمن هذه المنافع وفورات الحجم، وزيادة سبل النفاذ إلى الأسواق، وتنويع الموردين، وغيرها. ومن خلال تحديث القواعد والحفاظ على سياسة الانفتاح، تتيح هذه الاتفاقيات للشركاء الجدد إمكانية الانضمام متى رغبوا وأصبحوا قادرين على الالتزام بقواعد الاتفاقيات ومعاييرها.
الأمثلة الحديثة لاتفاقيات التجارة الإقليمية تتضمن الاتفاقية الشاملة والتدريجية بشأن شراكة المحيط الهادئ CPTPP ومنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية AfCFTA. ويجري حاليا تنفيذ عديد من مبادرات البيانات المشتركة، بما في ذلك المبادرات ذات الصلة بالتجارة الإلكترونية، وتيسير الاستثمار، وتنظيم الخدمات على المستوى المحلي. في ديسمبر 2021، وافق 70 عضوا من أعضاء منظمة التجارة العالمية على اتفاقية محدودة الأطراف لمنظمة التجارة العالمية بشأن اللوائح التنظيمية المحلية للخدمات.
وينبغي لصناع السياسات أن يستهدفوا فقط مجموعة محدودة من المنتجات والتكنولوجيات التي تستدعي التدخل لأسباب تتعلق بالأمن الاقتصادي. ويتعين عليهم قبل اتخاذ القرار بنقل مرافق الإنتاج إلى دولهم أن يدرسوا بعناية ما إذا كان هناك بالفعل نقص في الموردين من المناطق الأقل خطورة، وإجراء تقييم موضوعي للتكاليف الاجتماعية والاقتصادية لانقطاع الإمدادات. وهذه هي الحالة خاصة بالنسبة إلى التكنولوجيات المستخدمة على نطاق واسع، مثل أشباه الموصلات.
ثالثا، تقييد إجراءات السياسات الأحادية، مثل السياسات الصناعية، حيث تركز على معالجة المؤثرات الخارجية وتشوهات السوق، وأن تكون محددة بمدة زمنية. ويقتصر هدفها على تصحيح إخفاقات السوق مع الحفاظ على قوى السوق حيث يمكنها تخصيص الموارد بأقصى قدر من الكفاءة.. يتبع.