اقتصادي الهزات المالية
الاقتصاد المالي نسبيا حديث، وازداد أهمية بعد تزايد الدور المالي في إدارة الاقتصاد الكلي. تصاعد الدور المالي جاء بهزات وتذبذب متكرر، فبعد مساهمات شارب، وماركوتز؛ الذي تحدثت عنه في عمود سابق، واهتمامهما بالاقتصاد المالي من زاوية الإدارة المالية، خاصة الاستثمارية، جاء دور هايمن منسكي Hyman Minsky الذي ركز على الاقتصاد المالي من حيث دوره في الاقتصاد الكلي.
وُلد منسكي في 1919 في شيكاغو لعائلة يهودية من أصل روسي، بداية حياته كانت أثناء الكساد الكبير، ما أثر في حياته وتفكيره. تعلم الاقتصاد في جامعة شيكاغو، ثم هارفارد. علم الاقتصاد في جامعات براون وكاليفورنيا ـ بيركلي، لكن أطول مدة كانت في جامعة واشنطن ـ سانت لويس، في هذه الفترة نشر أشهر أبحاثه في نظرية الاستثمار والأسواق المالية ودور البنوك في الاقتصاد.
تأييده أفكار كينز في دور الحكومة، واهتمامه المالي، جعلا بعضهم يصفه بأنه مدرسة ما بعد الكينزية.
يرى منسكي، أن التذبذب المالي من خصائص اقتصاد السوق، ولعل أكثر ما عرف عنه "فرضية عدم الاستقرار المالي" التي يقول فيها، إن فترة الاستقرار الاقتصادي تولد عدم استقرار في النظام المالي، لأنها تشجع المؤسسات المالية والمقترضين على أخذ مخاطر، خاصة من ثلاثة مصادر تأتي تباعا:
الأول، صناديق التحوط التي عادة تقترض وتقترض مبالغ مؤثرة لتستغل فجوات في التسعير، وما ترى أنها فرص مواتية في ظل حالة اقتصادية مستقرة.
الثاني، أنواع من المضاربين في الأغلب يقترضون لتمويل المضاربات.
أخيرا، الخداع المالي المتمثل فيما يسمى حيلة "البونزي"، حيث يأتي من يعد بعوائد مالية مجزية بأخذ المال من ناس وتسليمه لآخرين، وكأنه استثمار مجزٍ نتيجة التقدم في حالة الإثارة والطمع.
هذه السلسلة من الأحداث المالية تقود لما يسمى "لحظة منسكي" التي يقصد بها لحظة سقوط الأسواق المدوي المفاجئ كنتيجة لموجة تفاؤل عارمة مبنية على المضاربات والاقتراض، ووصول حجم الدين إلى المنطقة الخطرة.
مصطلح "لحظة منسكي" كان توصيف بول ماكلي، على أثر الأزمة الروسية في 1998، لأن الظاهرة عالمية حيث تتكرر في دول كثيرة لأسباب مختلفة، فمثلا حدثت في الكويت بما سمي سوق المناخ، وفي المملكة في فقاعة 2006 في سوق الأسهم.
توصيف منسكي للدور المالي كان في تفسيره أيضا لتطور الدور المالي، ففي المرحلة الأولى سيطرت "الرأسمالية التجارية"، حيث لم يعد التمويل للشركات للاستثمار في المصانع، لكن لتمويل التجارة كتمويل المخزون والاستيراد والتصدير، لينتقل الاقتصاد إلى "الرأسمالية المالية"، حيث بدأت بدور الشركات ذات المسؤولية المحدودة التي امتدت إلى دور التمويل عن طريق الأسهم والسندات، وبالتالي انتعاش الأسواق المالية إلى أن وصلنا إلى الكساد الكبير، ومن ثم إلى "الرأسمالية الإدارية"، التي يقول إنها نشأت بسبب سيطرة سياسات كينز على الاقتصاد، إذ إن المصروفات الحكومية مكنت الشركات من تراكم أرباح تستطيع بها تمويل نشاطاتها، وبالتالي تعظيم دور إدارات الشركات في إدارة الاقتصاد، تطورات رأى فيها منسكي، أن النشاط المالي يبتعد تدريجيا في كل مرحلة عن النشاط الاقتصادي. لم يعش منسكي، ليشهد الأزمة المالية العالمية، و"لحظة منسكي" الكلاسيكية في 2007، إذ توفي بالسرطان في 1996، توفيت زوجته في 2016 وخلف ابنتين وولدا.