الخلق الحسن

روي في الأثر أن جارية لعلي بن الحسين كانت تصب له الماء فسقط الإبريق من يدها على وجهه فشجه، فرفع رأسه إليها فقالت له: إن الله يقول "والكاظمين الغيظ" فقال لها: قد كظمت غيظي، قالت: "والعافين عن الناس" قال لها: قد عفوت عنك، قالت "والله يحب المحسنين" قال لها: اذهبي فأنت حرة.
تتهادى للأنظار والأسماع باستمرار حالات العفو التي تعمل لتحقيقها فئات من المجتمع، ومع تزايد الاحتكاك البشري وظهور مزيد من الخلافات التي تسهم فيها كل ضغوط العصر الحديث، تتنامى إشكالية البحث في الحلول وضمان تجاوز حالات الخلاف بما تعقبه من تشتيت وغضب وتناحر بين الناس.
مواقف مشهود لكثير منها بالنزاهة والحياد تبرز في هذه الأيام المباركة ويعمل كثيرون لكسب أجر الإصلاح بين الناس، ليس أقلها الإصلاح بين القبائل التي يمكن أن يستمر الخلاف بينها عقودا لأسباب قد يكون النظر فيها وسيلة لتجاوزها بسهولة إذا تدخل ذوو الحكمة والمنطق لتبسيط الأمور وإزالة ما يعلق بالأذهان من مؤثرات يتبناها البعض ويبني عليها في الإساءة للآخرين.
لعل من المناسب هنا أن أذكر أن التغاضي والعفو من أعظم الشيم والأخلاق، وقد وجه لذلك القرآن الكريم في مواطن كثيرة أحدها في وصف النبي الكريم صلى الله عليه وسلم حين قال المولى عز وجل: "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك"، ثم أوصى بها من يتبعون هذا الدين الحنيف بقوله تعالى: "ومن عفا وأصلح فأجره على الله". وهناك من الشواهد التاريخية كثير، ما يدل على تمسك المسلمين بهذه الوصايا.
تبقى القدرة على التغاضي والعفو إحدى أهم المزايا التي نحتاج إليها في هذا الشهر الكريم، حين نشاهد مواقف الشحن والإزعاج في أغلب الأماكن ومع ازدحام الطرق يرتفع مستوى الضغط رغم برودة الأجواء. هنا لا بد أن نتذكر أن من أهم دروس شهر رمضان الكريم التقرب إلى الله بالأعمال والأقوال التي ترضيه ومن أهمها حسن الخلق، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا».

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي